تحويل إنستاباي بالخطأ.. لماذا يعتبره القانون سرقة مكتملة الأركان؟ بقلم : محمود فؤاد المحامي

في ظل الانتشار الكبير لاستخدام تطبيقات التحويل الفوري مثل إنستاباي (InstaPay)، ظهرت مؤخرًا وقائع متكررة لأشخاص تلقوا تحويلات مالية بالخطأ، ثم امتنعوا عن رد المبالغ لأصحابها، ظنًا منهم أن الأمر مجرد خلاف مدني لا يرقى إلى مرتبة الجريمة.

إلا أن هذا التصور خاطئ تمامًا من الناحية القانونية، بل إن الامتناع عن رد المال بعد العلم بالخطأ يُشكِّل جريمة سرقة مكتملة الأركان.

⚖️ أولًا: الأساس القانوني

تنص المادة (311) من قانون العقوبات المصري على أن:

 “كل من اختلس منقولًا مملوكًا لغيره فهو سارق.”

والمقصود بالاختلاس هنا هو نقل حيازة المال إلى الجاني بغير رضا صاحبه بنية تملكه.

وفي واقعة التحويل الخاطئ، لم يكن الاستيلاء من البداية بفعل الجاني، وإنما تم التحويل من المجني عليه بطريق الخطأ، لكن الاستيلاء الفعلي يتحقق لحظة امتناع المتلقي عن الرد بعد علمه بالخطأ، إذ يتحول موقفه من متلقٍ بحسن نية إلى مختلسٍ بسوء نية.

⚖️ ثانيًا: الركنان المادي والمعنوي

 الركن المادي:

يتحقق عندما يحتفظ الشخص بالمبلغ المحول إليه علمًا منه أنه ليس ماله، فيصبح تصرفه في المال أو احتجازه له بمثابة اختلاس فعلي.

 الركن المعنوي (القصد الجنائي):

يتوافر حين تتجه إرادة الشخص إلى التملك رغم علمه بعدم أحقيته في المال، وهو ما يميز بين الخطأ غير العمدي والسرقة العمدية.

⚖️ ثالثًا: تأييد محكمة النقض

استقرت محكمة النقض في العديد من أحكامها على أن:

 “كل من تلقى مالًا بطريق الخطأ، وعلم بذلك، ثم احتفظ به لنفسه، يعد مرتكبًا لجريمة السرقة متى توافر القصد الجنائي في نية التملك.”

– نقض جنائي، الطعن رقم ١٠٤٢ لسنة ٤٤ ق، جلسة ٢٤/٣/١٩٧٤

وهذا المبدأ القضائي ينطبق تمامًا على واقعة تحويل الأموال الإلكترونية أو البنكية بالخطأ، إذ لا يغير من طبيعة الجريمة كونها تمت عبر وسيلة رقمية حديثة.

⚖️ رابعًا: الخلاصة

الامتناع عن رد التحويل المالي الذي وصل بطريق الخطأ ليس مجرد نزاع مدني كما يعتقد البعض، بل هو تصرف جنائي يُكوِّن جريمة سرقة مكتملة الأركان.

فالمال يبقى ملكًا لصاحبه، ولا تنتقل ملكيته بالخطأ أو بالإهمال، ومجرد العلم بعدم الأحقية ثم الاحتفاظ به هو في ذاته نية تملك غير مشروع يعاقب عليها القانون.

 نصيحة قانونية خفيفة:

لو وصلك مبلغ بطريق الخطأ عبر “إنستاباي” أو أي وسيلة إلكترونية، لا تتردد لحظة في ردّه أو التواصل مع البنك فورًا. فالقانون لا يرحم “السكوت بعد العلم”، ويعتبره بداية الجريمة لا نهايتها.