مقالات و رأي

يوسف حسن يكتب/ زيارة الجولاني إلى موسكو… اعتراف بالفشل الغربي وانعطافة نحو الشرق

لنُعِد النظر مرارًا في زيارة الجولاني إلى موسكو.

ففي خطوة مفاجئة، قام أحمد الجولاني، رئيس الحكومة السورية المؤقتة، بزيارة غير متوقعة إلى العاصمة الروسية موسكو،

حيث التقى بالرئيس فلاديمير بوتين، طالبًا إحياء العلاقات الثنائية، بما في ذلك عودة القوات الروسية إلى سوريا لمواجهة إسرائيل، واستئناف التعاون الاقتصادي والسياسي بين الجانبين.

هذه الزيارة جاءت في وقت لم يطرأ فيه أي تغيّر على الموقف الروسي تجاه دمشق أو المنطقة، إذ أكدت موسكو أنها لن تتخلى عن بشار الأسد،

مما يدل على أن الزيارة لا تعني اصطفاف بوتين مع الغرب في تحولات غرب آسيا، ولا يمكن انتظار أن تتخلى روسيا عن تحالفها مع إيران أو مواقفها من الغرب.

إلا أن زيارة الجولاني إلى موسكو تحمل دروسًا عميقة للدول العربية والإسلامية، تستحق التأمل.

فالجميع يعلم أن الجولاني، قبل توليه السلطة وبعدها، كانت له علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث أعلن منذ الأيام الأولى توليه الحكم عن ولائه للغرب،

وتبنّى نهج التطبيع مع إسرائيل، بل وصرّح بأن نظامه ساهم في تعزيز أمنها. كما التزم الصمت تجاه احتلال الجولان والقنيطرة وتقدم الجيش الإسرائيلي نحو ريف دمشق.

ورغم كل محاولاته لنيل دعم الغرب، لم يحصل الجولاني إلا على وعودٍ فارغة. فالغربيون وإن أبدوا دعمًا شكليًا له عبر زيارات دبلوماسية ووعود برفع بعض العقوبات مثل عقوبات “قيصر”،

إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك؛ إذ لم يُقدَّم له أي دعم حقيقي، واقتصر نفوذه على دمشق وعدد محدود من المدن، فيما بقيت الوعود الاقتصادية حبراً على ورق، ما أدى إلى تصاعد السخط الشعبي ضده.

أما رهانه على إسرائيل، فقد انتهى بخيبة كبيرة، إذ استمرت تل أبيب في احتلال الأراضي السورية، ولم تمنحه أي مكاسب، بل ردّت على دعواته للتطبيع بالإذلال والتجاهل.

وهكذا جاءت زيارته إلى موسكو نتيجة إحباطٍ عميق واعترافٍ ضمني بأن الغرب غير جدير بالثقة وأن مسار التطبيع فاشل.

فالجولاني، الذي كان يومًا من أشدّ المؤمنين بالغرب، أدرك بعد سلسلة من الانكسارات أن هذه السياسة لم تجلب له سوى الإهانة، فاختار أخيرًا التوجه شرقًا.

إن تصرفات الجولاني تمثل درسًا واضحًا لقادة العالمين العربي والإسلامي الذين يسيرون اليوم خلف واشنطن وأوهام “السلام الدائم”،

ويشاركون في قممٍ مهينة كقمة شرم الشيخ، في الوقت الذي يواصل فيه العدو الإسرائيلي عدوانه على غزة.

فالتجربة تُثبت أن لا أمريكا قادرة على إنقاذ أحد، ولا التطبيع مع إسرائيل يجلب الأمن أو الازدهار.

الطريق الحقيقي أمام أمتنا هو في الوحدة العربية والإسلامية حول قضية فلسطين ودعم غزة المقاومة، والتخلي عن الاعتماد على الغرب،

والسير في نهج الشرق الجديد القائم على الندية والاستقلال. فالجولاني اليوم ليس سوى مرآة تعكس مصير كل من يُراهن على الغرب ويغفل عن دروس التاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى