مقالات و رأي

الطاعة بين الزوجين في الإسلام: ميثاق مودة ورحمة بقلم /الدكتور_أحمد_سعودى

دكتور في علوم القرآن الكريم والقراءات

ليست الطاعة في العلاقة الزوجية مجرد واجب مفروض، بل هي وسيلة من وسائل تحقيق السكن والمودة والرحمة، التي جعلها الله أساسًا للعلاقة بين الزوجين

، كما قال تعالى:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].

أولاً: معنى الطاعة وحدودها

الطاعة الشرعية هي امتثال الزوجة لزوجها فيما يرضي الله تعالى، وليست طاعة عمياء مطلقة. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف» [رواه البخاري ومسلم].

فالطاعة في الإسلام لا تُطلب من المرأة إلا في حدود المشروع، فلا يجوز للزوج أن يأمرها بمعصية، فإن أمرها بما يخالف الشرع، فلا تجب عليها طاعته.

قال الإمام النووي: “أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمرأة أن تطيع زوجها فيما فيه معصية لله، فإن طاعته لا تكون إلا في المعروف، أي فيما يوافق الشرع.”

ثانيًا: فضل الطاعة وأثرها على الحياة الزوجية

قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«إذا صلَّت المرأة خَمسَها، وصامت شهرَها، وحصَّنت فرجَها، وأطاعت زوجَها، قيل لها: ادخلي الجنةَ من أيِّ أبوابِ الجنةِ شئتِ» [رواه ابن حبان وصححه الألباني].

فجعل الطاعة من أسباب نيل الجنة، وهذا يدل على عظمتها ومكانتها عند الله تعالى.

وقد روى ابن بطة في أحكام النساء، ونقله ابن قدامة في المغني، القصة المشهورة:

 “أن رجلاً خرج في سفر، ومنع امرأته من الخروج، فمرض أبوها، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «اتقي الله، ولا تخالفي زوجك»، فمات أبوها، واستأذنت في شهود جنازته، فقال: «اتقي الله، ولا تخالفي زوجك»، فأوحى الله إلى نبيه: «إنا قد غفرنا لها بطاعتها لزوجها»”.

وهذه القصة – وإن كان فيها خلاف حول صحة سندها – إلا أن معناها مستأنس به عند جمهور الفقهاء، ويُذكر في سياق بيان فضل الطاعة والوفاء بحق الزوج.

ثالثًا: مقابل الطاعة: مسؤولية الزوج ورعاية الحقوق

إن الإسلام لا يجعل الطاعة في يد الزوج سيفًا مسلطًا، بل قرن ذلك بمسؤوليات عظيمة تقع على عاتقه، من النفقة، والرعاية، والحماية، والمعاشرة بالمعروف.
قال الله تعالى:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].

وقال سبحانه:
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].

قال ابن كثير: “أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله.”

وقال الإمام الطبري: “المعاشرة بالمعروف: أن يكون الإنسان حسن الخلق مع زوجته، طيب النفس، جميل المعاشرة، لا يؤذيها ولا يظلمها.”

رابعًا: الطاعة لا تعني القهر ولا الإساءة

الخلط بين “القوامة” و”التحكم” شائع في بعض البيئات، لكن الفقهاء فرّقوا بوضوح بين الحقوق والظلم. قال ابن حزم في المحلى:
“ولا يحل للرجل أن يأمر امرأته بما فيه ضرر لها، أو بما فيه إهانة لها، أو بخروجها عن حدود الشرع.”

ولذلك، فإن الطاعة لا تبرر ظلم المرأة أو الاستعلاء عليها، ولا يجوز للزوج أن يمنعها من صلة الرحم أو ممارسة ما أباحه لها الشرع، إلا إن ترتب عليه ضرر بيّن.

خامسًا: الحكمة من تشريع الطاعة

الطاعة ليست تشريفًا للزوج بقدر ما هي تنظيم لحركة الأسرة، لأن تعدد الآراء بدون مرجعية يؤدي إلى التفكك. وقد جعل الإسلام المرجعية للرجل في إطار الشورى والعدل، لا الاستبداد والتسلط.

قال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين:
“المرأة قوامها طاعة الزوج، ولا تصلح الحياة بينهما إلا بذلك، فإن كانت مستكبرة مترفعة متبرمة، خرجت عن مقتضى الزوجية.”

ولكنه قال أيضًا:
“وعلى الرجل أن يلين معها، ويحتمل ما يكره من خلقها، فإن ذلك من أخلاق الكرام.”

خلاصة القول:

الطاعة الزوجية في الإسلام ليست قيدًا ولا عبودية، بل هي نظام يقوم على التوازن، فهي جزء من مسؤوليات المرأة، كما أن القوامة جزء من مسؤوليات الرجل. ومتى ما حافظ كل طرف على ما أوجبه الله عليه، عاشت الأسرة في سكينة وطمأنينة ورضا، تحت ظل قوله تعالى:
{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى