وحدة الأمة العربية في مواجهة التحديات ومطامع الغرب بقلم / الدكتور أحمد سعودي
قراءة في الواقع، ونداء من أجل المصير المشترك
“وَأَعْتَصِمُوا بحبل الله جميعًا”: وحدة الأمة العربية في مواجهة التحديات ومطامع الغرب
قراءة في الواقع، ونداء من أجل المصير المشترك
في ظل ما تعيشه الأمة العربية من تحولات مصيرية وتحديات متلاحقة، تأتي القمة العربية الأخيرة في العراق
لتضع على طاولة القادة العرب ملفًا من أعقد وأخطر الملفات: ملف وحدة الأمة، وموقف القوى الغربية من هذه الوحدة، بين الممانعة والتفكيك.
أولًا: الوحدة العربية فريضة شرعية ومصلحة قومية
الوحدة بين المسلمين والعرب ليست مجرد حلم أو شعار سياسي، بل هي واجب شرعي دل عليه كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. قال تعالى:
“واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا” [آل عمران: 103]،
وقال سبحانه:
“إن هذه أمتكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاعبدون” [الأنبياء: 92].
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حذّرنا من الفرقة، وجعلها سببًا للهزيمة والضعف، فقال:
“إن الشيطان قد يئس أن يُعبد في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم” [رواه مسلم].
الوحدة ليست فقط شعارًا دينيًا، بل هي مصلحة واقعية في عالم لا يحترم إلا الكتل الكبرى، حيث تتكاتف الأمم وتتوحد الشعوب على أسس الهوية والمصير المشترك. فهل يعقل أن تبقى الأمة العربية مفككة بين شرقٍ غارقٍ في الحروب، وغربٍ يئنّ تحت الأزمات، ووسطٍ تعصف به المؤامرات؟
ثانيًا: نظرة الغرب إلى وحدة العرب
منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وتقسيم سايكس بيكو، كانت إستراتيجية الغرب واضحة: “فرّق تسد”. لم يكن الغرب يومًا مطمئنًا لفكرة وحدة العرب، لأن هذه الوحدة تهدد مصالحه الاستراتيجية، سواء من حيث التحكم في مصادر الطاقة أو إبقاء “إسرائيل” القوة المتفوقة في المنطقة.
الوثائق والمواقف تشهد على ذلك:
عندما أُعلن عن مشروع الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا، تآمرت عليه القوى الغربية حتى أسقطته.
كل محاولة للتقارب العربي الاقتصادي أو الأمني تُقابل بالتشكيك، وتُزرع أمامها العقبات.
حتى الثورات العربية، حينما هبّت تطالب بالكرامة والعدالة، تم احتواؤها وتحويل مسارها لتُغرق في الدم والخراب.
السبب بسيط:
أمة عربية موحدة تعني سوقًا اقتصادية بـ400 مليون نسمة، وقوة عسكرية لا تُكسر، وإرادة سياسية لا تُشترى.
ثالثًا: التحدي الداخلي أعظم من الخارجي
نعم، الغرب لا يريد وحدة العرب، لكن الخطر الحقيقي هو ما بين أيدينا لا ما وراء بحارهم. إن الخلافات البينية، والتنازع على الزعامات، وإقصاء الكفاءات، والنزعات الطائفية والمناطقية، كلها أدوات نحر ذاتي.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض” [رواه البخاري ومسلم].
وها نحن اليوم نشهد كيف تسيل الدماء بين الإخوة، وكيف تُغلق الحدود أمام الأشقاء وتُفتح أمام الأعداء، وكيف
يعلو صوت المصالح الضيقة فوق مصلحة الأمة الكبرى.
رابعًا: القمة العربية… فرصة لا تُفوّت
إن اجتماع القادة العرب في العراق، البلد الذي أنهكته الحروب والدمار ثم عاد ليستعيد دوره، هو رمز لما يجب أن تكون عليه الأمة:
من الانقسام إلى الوحدة،
من الاستنزاف إلى البناء،
من التبعية إلى الاستقلال.
ولعل من أوجب الواجبات على هذه القمة أن تضع الأسس التالية:
1. ميثاق شرف عربي يمنع التحريض والإساءة بين الدول الأعضاء.
2. مشروع تكامل اقتصادي عربي يحوّل الثروات إلى تنمية، والعقول إلى إنتاج.
3. مجلس دفاع عربي موحد يُنهي حالة التفكك ويعيد الردع الاستراتيجي.
4. رؤية ثقافية وإعلامية مشتركة تعيد تعريف الهوية العربية وتحصنها من الغزو الفكري.
خامسًا: الوعي الشعبي شريك في البناء
لا تكفي القمم إذا لم يصحبها وعي شعبي عميق بأن وحدتنا ليست خيارًا بل مصير. ينبغي أن تعي الأجيال الجديدة أن العدو لا يفرّق بين مصري وسوري، ولا بين يمني وسعودي، ولا بين ليبي وتونسي… بل يراهم جميعًا جسدًا واحدًا يجب أن يبقى مريضًا كي تظل مصالحه قائمة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
> “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” [رواه البخاري].
سادسًا: خاتمة… إلى متى نُؤجل الحلم؟
أمتنا اليوم لا تحتاج إلى شعارات، بل إلى إرادة وشجاعة. والعراق، أرض الحضارات، وموطن عليّ والحسين، يفتح صدره من جديد ليقول للعرب: “كفى تمزقًا، فلنجتمع قبل أن نُؤكل كما تؤكل الغنمة القاصية.”
قال الله تعالى:
> “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين” [الأنفال: 46].
فلنصبر، ولنصبر، ولنبنِ… علّ الله أن يكتب لنا من بعد الضعف قوة، ومن بعد الفرقة وحدة، ومن بعد اليأس أملاً.
كتبه: الدكتور أحمد سعودي
أستاذ علوم القرآن والقراءات.

