الصراع بين الفرس واليهود… هل يُكتب له نهاية؟ . بقلم د احمد سعودى
دكتوراه في علوم القرآن والقراءات

قراءة في ضوء التاريخ، والسياسة، والوحي
يُثار كثيرًا في الخطاب الإعلامي والديني الحديث سؤال:
“هل ستنتهي الحرب بين الفرس (إيران) واليهود (إسرائيل)؟”
وهنا لا بد من تناول المسألة عبر ثلاثة محاور متوازية:
(1) قراءة تاريخية، (2) تحليل سياسي واقعي، (3) تأصيل شرعي من الكتاب والسنة.
أولًا: قراءة تاريخية للصراع
لم يكن التاريخ دومًا شاهدًا على عداء مستمر بين الفرس واليهود.
بل إن كورش الكبير الفارسي (538 ق.م) مكّن اليهود من العودة إلى القدس، بعد السبي البابلي، بل وساعدهم في إعادة بناء الهيكل، كما جاء في سفر عزرا – وهو ما تثبته بعض المصادر الإسلامية في إشارات عابرة.
إذًا: العلاقة لم تكن عداءً دائمًا، بل تحالفًا في بعض فترات التاريخ.
لكن بعد الثورة الإيرانية عام 1979، تحولت إيران من دولة لها علاقات طبيعية مع إسرائيل، إلى خصمٍ معلنٍ لها، تبنّت خطابًا “ثوريًا إسلاميًا” يرفع شعار تحرير القدس.
ثانيًا: الواقع السياسي والتحليل الاستراتيجي
لا توجد “حرب مباشرة” بين إيران وإسرائيل منذ أكثر من 40 عامًا، بل هو صراع نفوذ إقليمي بالوكالة.
تمارسه إيران عبر أذرعها: (حزب الله في لبنان، الحوثيين في اليمن، الحشد الشعبي في العراق، وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين).
وتواجهه إسرائيل بعمليات استخباراتية واغتيالات وعمليات عسكرية مركزة في سوريا وغزة.
هذا النوع من الصراع يُصنَّف في العلوم السياسية بـ”الحرب الباردة” أو “حرب الاستنزاف غير المباشرة”، لا “حرب وجودية شاملة”.
وبالتالي: فالتساؤل عن “نهاية الحرب” بين الطرفين قد يُجانب الواقع؛ لأنها ليست حربًا تقليدية أصلًا.
ثالثًا: منظور الإسلام: هل ورد عن الفرس واليهود في آخر الزمان؟
1. القرآن الكريم: لم يرد فيه ما يفيد بوقوع حرب مخصوصة بين الفرس واليهود، لكن وردت إشارات إلى اليهود ومكرهم:
> ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ﴾ [إبراهيم: 46]
﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ﴾ [المائدة: 82]
2. السنة النبوية: لم ترد أي إشارة مباشرة إلى “الفرس” في معركة مع اليهود، بل ورد فيهم ما يلي:
حديث النبي ﷺ:
> “إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده…” [رواه البخاري]
وهو نذير بانتهاء ملك الفرس الإمبراطوري، وقد تحقق في عهد عمر.
أما عن اليهود، فقد وردت النصوص بقتالهم في آخر الزمان:
> “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون…” [صحيح مسلم]
وهذا القتال ليس مرتبطًا بإيران ولا الفرس، بل هو صراع بين أمة الإسلام واليهود عمومًا في سياق أحداث آخر الزمان، لا شأن فيه بعرق أو قومية.
🔹 هل الحرب بين الفرس واليهود دينية حقًا؟
رغم رفع إيران لشعار “الموت لإسرائيل”، إلا أن الواقع يشير إلى أن العلاقة مشوبة بالتناقضات:
فإيران لم تطلق رصاصة واحدة مباشرة على إسرائيل منذ 1979.
وفي مرات عديدة، استفاد الطرفان من الصراع لكسب شرعية داخلية وإقليمية.
بل إن تصريحات بعض القادة الإيرانيين تشير إلى إمكانية الاعتراف بإسرائيل لو تحقق ما يُسمى بـ”حل الدولتين”.
فهل هي حرب دينية أم مسرحية سياسية لإعادة تموضع النفوذ؟
—
خاتمة: الصراع الحقيقي ليس فارسيًا يهوديًا… بل حق وباطل
مهما طال الصراع بين الفرس واليهود، فإن القرآن والسنة لم يُنزلا لخدمة مشاريع قومية أو شعارات مذهبية.
بل القضية المركزية التي لا خلاف فيها عند المسلمين هي:
> ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾
وليس “قاتلوا كُرهًا للفرس أو دفاعًا عن قومية العرب أو تطهيرًا لطائفة”.
الصراع الحقيقي هو بين أهل الإيمان وأهل الغدر والخيانة والبغي،
فمن وقف مع أهل فلسطين بحق، فله في ذلك أجر،
ومن استغل القضية لمصالح طائفية ضيقة، فقد باع دماء الشهداء بثمن بخس.