قانون الإيجار الجديد لو كنت أنا من شرّعه… بقلم المستشار/ محمود فؤاد
معيار الزمن قبل المكان

صدر مؤخرًا قانون الإيجار الجديد بعد سنوات طويلة من انتظار الإصلاح، لكنه جاء محمّلًا بتساؤلات كثيرة حول مدى عدالته وواقعيته. ولو كنت أنا النائب أو المشرّع الذي وضع هذا القانون،
لكنت نظرت للأمور بمعايير أكثر إنصافًا تراعي اختلاف العقود والأزمنة والظروف.
أولًا: معيار الزمن قبل المكان
من أكبر أوجه القصور أن القانون تعامل مع كل العقود القديمة على قدم المساواة بلا أي تفرقة بين توقيتات التعاقد أو طبيعة العقار. هل يعقل أن شخصًا استأجر فيلا كاملة في الزمالك سنة 1940 بإيجار عشرين جنيهًا فقط،
وبعد كل هذه العقود يصبح إيجارها اليوم ألف جنيه، بينما شخص آخر استأجر شقة صغيرة في أسوأ مكان – المرحلة الثالثة – سنة 1996 بإيجار 150 جنيهًا،
فإذا بالقانون يزيد إيجارها عشرة أضعاف لتصبح 1500 جنيه؟ هذا لا يحقق أي قدر من التوازن أو العدالة. المفترض أن معيار الزيادة يقوم أولًا على تاريخ العقد، وليس مجرد المكان أو رقم الإيجار وقتها.
ثانيًا: أقصى مدة إيجارية 59 سنة… فأين التدرج؟
الأصل أن العلاقة الإيجارية لها سقف زمني معروف، وهو 59 سنة كأقصى مدة يجوز الاتفاق عليها، وبعدها يتحول العقد في جوهره إلى “حكر”،
أي حق انتفاع شبه دائم. هنا كان يجب على المشرع أن يمنح المستأجر الذي عاش عشرات السنين في العين المؤجرة أطول مدة ممكنة بشكل تدريجي،
حتى لا يُفاجأ بالإخلاء، وفي الوقت نفسه ينتهي هذا الوضع الاستثنائي دون ظلم. لكن القانون ساوى بين من استأجر سنة 1940 ومن استأجر سنة 1996، وأعطى كليهما مهلة سبع سنوات للإخلاء كأنهما حالتان متطابقتان.
ثالثًا: خيار العقد المفتوح… ثم الطرد المفاجئ
كثير من المستأجرين من اجر عام 1996وبعدهاولكن كتبوا العقد بتاريخ سابق كان أمامهم وقت التعاقد خيار كتابة عقد محدد المدة حتى 59 سنة، ولو عرضوه على المالك ما كان ليرفض،
بل ربما وافق على الفور. لكن أغلبهم فضّل العقد المفتوح غير محدد المدة، ودفع مبالغ إضافية لضمان استمرار الانتفاع والاطمئنان على أسرته. واليوم، بعد عقود طويلة من الاستقرار والاعتياد،
يأتي القانون الجديد ليعامل هؤلاء كأنهم لم يتفقوا على شيء، ويقول لهم ببساطة: بعد سبع سنوات ستخرجون. هذا لا يراعي أنهم دفعوا ثمن الأمان القانوني وظلوا ملتزمين بالعقد طيلة هذه السنوات.
رابعًا: مشكلة الزيادة الموحّدة
القانون قرر زيادة الإيجارات السكنية عشرة أضعاف مع تطبيق نسبة زيادة سنوية ثابتة 15%، دون أي اعتبار لاختلاف المناطق أو الظروف المعيشية.
فمن يسكن شقة في حي شعبي كان يدفع 150 جنيهًا، سيدفع 1500 جنيه، بينما من يسكن فيلا في الزمالك سيدفع ألف جنيه فقط بعد الزيادة.
هذه المفارقة الصادمة تكشف غياب أي منطق حقيقي في طريقة تحديد القيم الجديدة.
خامسًا: أما بالنسبة للمحلات
فقد جاء القانون ليزيد جميع الإيجارات خمسة أضعاف دون أي نظر لا للمكان ولا للزمان. بمعنى أن محلًا مؤجرًا سنة 1940 بإيجار عشرة جنيهات،
سيصبح إيجاره اليوم خمسين جنيهًا فقط، وكأن سبعين أو ثمانين عامًا لم تمر على هذا العقد. هنا غفل المشرع عن فكرة التمييز بين الأماكن أو الفترات الزمنية التي أُبرمت فيها العقود.
بالإضافة إلى ذلك، لم يضع القانون أي حد أدنى يراعي الواقع التجاري، مع أن أي محل اليوم لا يقل إيجاره الفعلي عن ألف جنيه في أبسط المناطق.
وبدلًا من أن يمنح القانون حماية أكبر للسكن – الذي هو أولى بالرعاية الاجتماعية – بدا وكأنه يتحامل على الوحدات السكنية ويعامل المحلات التجارية التي تحقق الأرباح معاملة ميسّرة أخف بكثير.
سادسًا: زيادة المحلات سابقًا لم تحقق التوازن الحقيقي
أنا أعلم تمامًا – حتى لا يقال إن المحلات لم تُمس من قبل – أن القانون السابق كان قد زاد الإيجارات بنسبة 10% سنويًا لمدة أربع سنوات،
أي ما يعادل زيادة تقريبية قدرها 40%، ثم جعل هناك زيادة سنوية مقدارها 1%. لكن ما النتيجة الفعلية؟ لو أخذنا مثالًا بسيطًا: محل مؤجر بعشرة جنيهات فقط منذ أربعينيات القرن الماضي.
بعد هذه الزيادات كلها، أصبح الإيجار 14 جنيهًا تقريبًا، ومع الزيادة السنوية 1% أصبح الإيجار يزيد 14 قرشًا في السنة. وحتى اليوم، لا يصل هذا الإيجار أصلًا إلى عشرين جنيهًا شهريًا.
ثم يأتي القانون الجديد فيقرر ضرب هذا الرقم في خمسة أضعاف، ليصبح إيجاره أقل من مائة جنيه، وهو ما يعادل الزيادة العادية التي فُرضت على الوحدات السكنية الآن. هذا فارق ضخم ومحضار كبير في العدالة،
لأن أي شخص يعلم أن محلًا تجاريًا قيمته السوقية اليوم لا يمكن أن يظل إيجاره بهذه الأرقام الرمزية، بينما السكن الذي هو احتياج أساسي قفز إيجاره إلى عشرة أضعاف.
سابعًا: لو كنت أنا المشرّع…
لو كنت أنا واضع هذا القانون، لأقمت فلسفته على أسس واضحة:
✅ معيار الزمن أولًا:
من استأجر حتى سنة 1965: يمنح له مدة خمس سنوات للإخلاء مع زيادات تدريجية عادلة.
من استأجر بعد 1965: يمتد عقده حتى يتم 59 سنة كحد أقصى من تاريخ التعاقد، مع زيادات سنوية ثابتة.
✅ وضع حد أدنى محترم لإيجار المحلات حتى لا يبقى بعضها بعشرات الجنيهات.
✅ التمييز بين السكني والتجاري في نسبة الزيادة والمدة، على أساس أن السكن احتياج أساسي بينما المحل نشاط ربحي.
ختامًا
لو أردنا قانونًا عادلًا بحق، فلا يصح أن نسوي بين المختلفين لمجرد التبسيط أو مسايرة العناوين الصحفية. العدالة الحقيقية تبدأ باحترام الزمن والاتفاقات القديمة،
والتدرج الطبيعي في الانتقال من أوضاع استثنائية إلى أوضاع متوازنة تحمي المالك والمستأجر معًا.