المرأةُ في الإسلامِ : مربيةُ أجيالٍ، لا سلعةُ إعلاناتٍ / بقلم: الدكتور أحمد سعودي
مقرئٌ بالقراءاتِ العشر، حاصل على الماجستير والدكتوراه في علوم القرآن والقراءات

المرأةُ في الإسلامِ: مربيةُ أجيالٍ، لا سلعةُ إعلاناتٍ
(ردٌّ علميٌّ على حملاتِ التسليعِ والتجهيلِ)
في خضمِّ الضجيجِ الإعلاميِّ الذي يرفعُ شعاراتٍ براقةً عن “تحريرِ المرأةِ” و”تمكينِها”، تُداسُ كرامتُها الحقيقيةُ ويُغتالُ دورُها الأصيلُ كمربيةِ أجيالٍ وصانعةِ حضاراتٍ.
إنّ الإسلامَ جاء بمنظومةٍ متكاملةٍ تحفظُ للمرأةِ كرامتَها في جميعِ مراحلِ حياتِها: بنتًا وزوجةً وأمًّا وعالمةً. ولم يكن العلمُ في الإسلامِ ترفًا اختياريًّا للمرأةِ، بل كان فريضةً شرعيةً ومطلبًا حضاريًّا.
أولًا: المرأةُ في القرآنِ الكريمِ… شراكةٌ في الخَلقِ والتكليفِ
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1]
هذا النصُّ القرآنيُّ يرسّخُ مبدأ الشراكةِ الكاملةِ في الإنسانيةِ والكرامةِ بين الرجلِ والمرأةِ.
وأمر اللهُ النساءَ كما أمر الرجالَ بطلبِ العلمِ والعملِ الصالحِ:
{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، فالأمرُ في الآيةِ خطابٌ عامٌّ للجميعِ.
وجعل اللهُ المرأةَ مسؤولةً عن نفسها، فقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97].
ثانيًا: النبيُّ ﷺ والتعليمُ الخاصُّ بالنساءِ
طلبتِ النساءُ من النبيِّ ﷺ أن يجعلَ لهنَّ يومًا يتعلّمنَ فيه منه، فاستجابَ لطلبِهنَّ، وقال لهنَّ:
“موعدكنّ يوم كذا وكذا” [البخاري]
وهذا يدلّ على خصوصيةِ التعليمِ النسويِّ في الإسلامِ ورعايتِه.
وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال:
“قالتِ النساءُ للنبيِّ ﷺ: غلبنا عليكَ الرجالُ، فاجعلْ لنا يومًا من نفسك، فوعدهنَّ يومًا…” [البخاري].
وقال النبي ﷺ:
“من كانت له ثلاثُ بناتٍ أو ثلاثُ أخواتٍ، أو بنتانِ أو أختانِ، فأحسنَ صحبتَهنَّ واتقى الله فيهنَّ فلهُ الجنةُ” [الترمذي].
أي أنّ تربيةَ البناتِ والعنايةَ بهنَّ ليست مهمةً هامشيةً، بل عملٌ عظيمٌ يُدخلُ الجنةَ.
ثالثًا: المرأةُ في الإسلامِ… مغرسُ الأجيالِ وصانعةُ القيمِ
الإسلامُ لم ينظرْ إلى المرأةِ كمجردِ جسدٍ يُعرضُ ويُستهلكُ في الإعلاناتِ والشاشاتِ، بل جعلها:
مربيةَ أجيالٍ: قال الشاعرُ العربيُّ:
الأمُّ مدرسةٌ إذا أعددتَها… أعددتَ شعبًا طيبَ الأعراقِ.
راعيةً في بيتها: قال ﷺ: “والمرأةُ راعيةٌ في بيتِ زوجِها ومسؤولةٌ عن رعيتِها” [البخاري].
مغرسًا للقيمِ والخصائصِ: فالأمُّ المسلمةُ هي التي تغرسُ في ولدِها عقيدةَ التوحيدِ، وحبَّ القرآنِ، وفضائلَ الأخلاقِ.
رابعًا: عالماتٌ من نساءِ الأمةِ… شواهدُ تاريخيةٌ ناطقةٌ
السيدةُ عائشةُ رضي الله عنها: أفقهُ نساءِ الأمةِ، وأمهرُهنَّ في الحديثِ والتفسيرِ والفتوى.
الشِّفاءُ بنت عبد الله: معلمةُ القراءةِ والكتابةِ للنساءِ في عهدِ النبيِّ ﷺ.
أمُّ الدرداءِ الصغرى: فقيهةُ الشامِ، التي كانت تعلّمُ الرجالَ والنساءَ في المسجدِ الأمويِّ.
فاطمةُ الفهريّةُ: مؤسسةُ جامعةِ القرويينِ بالمغربِ، أقدمِ جامعةٍ في العالمِ.
خامسًا: الردُّ على التياراتِ التغريبيةِ والتجهيليةِ
🔴 التيارُ التغريبيُّ:
يرفعُ شعارَ “تحريرِ المرأةِ” بينما هو في الحقيقةِ يسعى لتسليعِها وتحويلِها إلى أداةِ ترويجٍ تجاريٍّ.
يريدُ لها أن تخلعَ دينَها بحجةِ “التقدمِ”، وتخوضَ معاركَ وهميّةً ضدَّ الفطرةِ.
🔵 التيارُ التجهيليُّ:
يرفعُ شعارَ “السترِ” لكنه يمنعُ المرأةَ من حقِّها في العلمِ والوعيِ.
يجعلُ الجهلَ فضيلةً، ويغفلُ أنّ الجهلَ فسادٌ وهدمٌ للأمةِ.
⚖️ الإسلامُ:
أعطى المرأةَ كرامتَها كاملةً في دائرةِ العلمِ والتهذيبِ.
كلّفها بما كلّف به الرجلَ، وكرّمها بأعظمِ وظيفةٍ وهي صناعةُ الإنسانِ.
خاتمة:
إنّ كرامةَ المرأةِ ليست في ألوانِ مساحيقِ التجميلِ، ولا في أضواءِ الإعلاناتِ، بل في نورِ العلمِ، وعظمةِ الرسالةِ التي حمّلها اللهُ لها في بيتِها ومجتمعِها. والأمةُ التي تجهلُ هذا الدورَ، تسيرُ بخطى ثابتةٍ نحوَ الهلاكِ.