لا تبرحوا أماكنكم… نداءٌ خالدٌ لكل مسلمٍ في ثغرِه… بقلم /د . احمد سعودى
مقرئٌ بالقراءاتِ العشر، حاصل على الماجستير والدكتوراه في علوم القرآن والقراءات

لا تبرحوا أماكنكم… نداءٌ خالدٌ لكل مسلمٍ في ثغرِه
خرجت قريش من غزوة بدرٍ مُثخنةً بالهزيمة، وقد مرّغ الإسلام كبرياءها في التراب، وقُتل كبار صناديدها،
فكانت غزوة أُحد بالنسبة لهم ليست مجرد جولةٍ عسكرية، بل معركةَ ثأرٍ لاستعادة الكبرياء الجريح.
أما المسلمون فكانوا على موعدٍ مع درسٍ بليغٍ سيظل محفورًا في ذاكرة الأمة حتى قيام الساعة.
رأى النبي ﷺ أن ميمنة جيش قريش يقودها خالد بن الوليد، وخشي من التفافه بفرسانه حول المسلمين ليحيط بهم كما تُحيط الكماشة بفريستها.
فوضع سبعين من الرماة على جبل أُحد، وأصدر إليهم أمرًا عسكريًّا واضحًا لا يحتمل التأويل:
> “لا تبرحوا مكانكم، إن رأيتمونا نُقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا”
[رواه البخاري]
إنه أمرٌ إلهيٌّ في صورة توجيهٍ نبويٍّ؛ الثباتُ على الموضعِ الذي حدده القائد واجبٌ شرعيٌّ، لا يجوز تركه للشهوة أو الظن أو الاجتهاد.
معركة الالتزام والطاعة
بدأت المعركة، وحقق المسلمون نصرًا أوليًّا، ففرّت قريش، وذاقت طعم الهزيمة كما ذاقته في بدر.
ولكن، حينما ظنّ الرماة أن المعركة انتهت، نزلوا من مواقعهم يريدون الغنائم، مخالفين أمر رسول الله ﷺ. فاستغل خالد هذه الثغرة، والتفّ بفرسانه، وأحاط بالمسلمين من الخلف، فانقلب النصر إلى هزيمة.
قال تعالى:
> {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152]
إنها رسالة ربانية خالدة:
النصر مرهونٌ بالثباتِ على أوامر الله ورسوله، لا بالمكاسبِ المؤقتة ولا بالاندفاعِ العاطفي.
🛡️ كل مسلمٍ على ثغرٍ
رغم أن غزوة أحد قد انتهت، إلا أن مهمة الرماة لم تنتهِ بعد. كل مسلم في هذا الزمن يقف على ثغرٍ عظيم،
وكل موقع شريف يؤدي فيه المسلم دوره بإخلاص هو جبل أُحد جديد.
الأمهات اللائي يُربّين أبناءهن على الصلاة والقرآن… لا تبرحن أماكنكن.
الآباء الذين يغرسون في قلوب أولادهم حب الله وحب نبيه… لا تبرحوا أماكنكم.
المعلمون الذين يعلّمون أبناء الأمة أمانة العلم قبل أمانة الدرجات… لا تبرحوا أماكنكم.
الموظفون الذين يراقبون الله في أعمالهم… لا تبرحوا أماكنكم.
المهندسون الذين يبنون بلا غش… لا تبرحوا أماكنكم.
فتيات الحجاب والعفة… أنتن على الثغر، فلا تبرحن أماكنكن.
شباب المساجد، الفجر، والقرآن… أنتم ترسانة الأمة وسورها الحصين، فلا تبرحوا أماكنكم.
قال رسول الله ﷺ:
> “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته” [متفق عليه]
🏁 الختام: لا تبرحوا أماكنكم!
كل واحدٍ منا إذا نظر إلى موضع قدميه، علم أنه مسؤولٌ عن ثغرٍ في هذا الدين. لا يشترط أن يكون الثغر في ميدان القتال، بل في كل ميدانٍ من ميادين الحياة؛ في بيته، في عمله، في مجتمعه.
فلا تبرحوا أماكنكم… حتى لا يُصيب الأمة ما أصابها يوم أحد.