مقالات و رأيمقالات وراي

اعملوا… فإن الله يرى !!! بقلم /د . احمد سعودى

مقرئٌ بالقراءاتِ العشر، حاصل على الماجستير والدكتوراه في علوم القرآن والقراءات

اعملوا… فإن الله يرى
مراقبة الله في السرّ والعلن

قال الله تعالى:
﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105].

هذه الآية العظيمة ليست مجرّد أمر بالعمل، بل هي تربية للنفس على مراقبة الله عزّ وجل، وعلى استحضار أن العمل لا يخفى على الله، ولا يغيب عن علمه، بل يراه الله، ويراه رسوله، ويطلع عليه المؤمنون.

إنها دعوة لنا أن نقف مع أنفسنا وقفة صدق وشفافية،
فليس الشأن أن تعمل،
بل الشأن: كيف تعمل؟ ولمن تعمل؟

قال الله تعالى:
﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]
وقال أيضًا:
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

فأعمالك محفوظة في كتاب لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها:
﴿ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ ﴾ [القمر: 53]
﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ﴾ [ق: 17].

وقد قال رسول الله ﷺ:
“إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” [رواه مسلم].
فالمعيار الحقيقي ليس المظهر، بل صفاء القلب، وصدق العمل.

ويقول ﷺ في حديث آخر جامع:
“اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن” [رواه الترمذي].
فهذه وصية جامعة لمراقبة الله في كل حال، سواء كنت في السر أو في العلن.

لقد كان السلف الصالح شديدي الخوف من الرياء، وكانوا يخفون أعمالهم الصالحة كما يُخفى أهل المعاصي معاصيهم.
قال الحسن البصري رحمه الله:
“لقد أدركتُ أقواماً لو قيل لأحدهم: قد عملتَ البارحة كذا، لكأنما حمل على ظهره ثقلاً من الرياء.”

وقال أحد الصالحين:
“من عمل للناس، وكله الله إلى الناس، ومن عمل لله، كفاه الله الناس.”

فإذا أردت أن تعرف صدق نيتك، فاسأل نفسك:
هل العمل الذي أُجيده أمام الناس، أُجيده بنفس الإخلاص حين أكون وحدي؟
هل أنا صادق مع الله في سريرتي كما أُظهر في علانيتي؟

يقول تعالى:
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الملك: 12].
فأعظم درجات الصدق أن تخشى الله في غيبتك، حين لا يراك أحد.

ثم تأمّل هذه القاعدة الربانية العظيمة:
“اعملوا… فسيرى الله عملكم”
ليس معنى أن يرى الله العمل أنه سيمدحك به مباشرة، فقد يكون العمل ظاهرًا حسنًا وباطنه خراب، والعكس صحيح.
لذلك كان رسول الله ﷺ يُكثر من الدعاء:
“اللهم اجعل سريرتي خيرًا من علانيتي، واجعل علانيتي صالحة.”

إن الله مطّلع على دقائق الأمور، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويعلم النوايا قبل أن تتحول إلى أفعال.
فكن صادقًا مع الله، يرزقك الله القبول في الأرض،
قال ﷺ:
“إن الله إذا أحب عبدًا نادى جبريل: يا جبريل، إني أحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض” [رواه البخاري ومسلم].

فإذا أردت أن يُحبك الناس، فلا تبحث عن رضاهم، بل ابحث عن رضا الله أولًا.
فمن أرضى الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس.

ختامًا…
تذكّر دائمًا:
أن عملك محل نظر الله،
وأن الله لا ينظر إلى الكثرة بقدر ما ينظر إلى الصدق،
فأخلص نيتك، واستقم على طاعة الله،
واجعل شعارك في كل عمل:
﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى