“للرجال_فقط” … بقلم /د . احمد سعودى
مقرئٌ بالقراءاتِ العشر، حاصل على الماجستير والدكتوراه في علوم القرآن والقراءات

“للرجال_فقط”
(مبادئ للتعامل مع النساء)
الحياة الزوجية ليست مجرد عقد يُبرم، أو بيت يُبنى، أو أبناء يُنجَبون، بل هي رسالة سامية ومؤسسة تقوم على المودة والرحمة، كما وصفها الله تعالى:
> ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]
ولكي تتحقق هذه المودة والرحمة، لا بد أن يعرف الرجل كيف تفكر المرأة، وكيف تشعر، وكيف تتفاعل، وأن تعرف المرأة كيف يفكر الرجل، وكيف يشعر، وكيف يتفاعل.
فهم متبادل لا تنافس فيه
قد يوحي عنوان “للرجال فقط” أن النساء لسن معنيات بالموضوع، لكن الحقيقة أن الرسالة موجهة للطرفين معًا.
فهذا المنهج يسعى إلى كسر الحواجز بين الزوجين، وفهم الفروق الفطرية والنفسية التي أودعها الله في كل منهما.
وقد قال النبي ﷺ:
> «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» (رواه الترمذي وصححه الألباني)
فهذا الحديث يجعل معيار الخيرية في حسن التعامل مع الأهل، لا في كثرة العبادات وحدها.
منهج حياة من القرآن والسنة
إن التعامل بين الزوجين في الإسلام قائم على قاعدة ربانية:
> ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19]
والمعروف هنا يشمل حسن الخلق، ولين الجانب، وكريم المعاملة، والتغافل عن الزلات.
النبي ﷺ لم يكن معصومًا من مواقف الغيرة أو الاختلاف مع زوجاته، لكنه كان يضرب أروع الأمثلة في إدارة هذه المواقف بحكمة. ففي حديث البخاري عن أنس رضي الله عنه:
“كان النبي ﷺ عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي هو في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانكسرت، فجمع النبي ﷺ الطعام في الصحفة المكسورة،
وقال: غارت أمكم، ثم أخذ صحفة من بيت التي هو فيه فأرسلها إلى صاحبة الصحفة المكسورة، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرتها”، وهنا درس عظيم في احتواء الموقف بلا تعنيف أو إساءة.
دروس من التاريخ
حتى في بيوت الأنبياء وُجدت الخلافات، لكنهم كانوا أرقى الناس في معالجتها. قال تعالى:
> ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ﴾ [التحريم: 10]
فالله تعالى أراد أن يبيّن أن الاختلاف بين الأزواج قد يكون في الدين والمبادئ، لا في الطباع فقط، وأن التحديات ليست أمرًا جديدًا في الحياة الزوجية.
الأخطاء الشائعة ومعالجتها
من أكبر أسباب الخلافات الزوجية:
1. سوء الفهم: تجاهل طبيعة الطرف الآخر واحتياجاته.
2. العناد والمكابرة: الإصرار على الموقف بدل البحث عن حل وسط.
3. إهمال الحوار: ترك النقاش حتى تتراكم المشكلات.
والحل في وصية نبوية جامعة:
> «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر» (رواه مسلم)
أي لا يبغضها بغضًا مطلقًا بسبب عيب، بل ينظر إلى محاسنها فيوازن.
خلاصة الرسالة
الحياة الزوجية الناجحة لا تقوم على غياب المشاكل، بل على حسن إدارتها. والفهم المتبادل بين الزوجين هو المفتاح لبقاء المودة.
ورغم أن العنوان يقول “للرجال فقط”، فإن ما فيه يصلح للنساء أيضًا، لأنه يشرح طبيعة العلاقة التي أرادها الإسلام بين الزوجين: سكن، ومودة، ورحمة.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “ومن أعظم أسباب الألفة بين الزوجين أن يعذر أحدهما الآخر فيما لا يضره، ويقبل عذره، ويتغافل عن زلته”، وهذا هو لبّ الرسالة.