مقالات و رأيمقالات وراي

ضياع غزة بين المتخاذلين والعاجزين … بقلم / د . رجب عبد اللطيف محمد

رئيس قسم التنمية البشرية

ضياع غزة بين المتخاذلين والعاجزين

🟤منذ عقود، تقف غزة في واجهة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تدفع ثمن التمسك بالكرامة والمقاومة، بينما تُركت وحيدة في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية، وسط تواطؤ دولي، وصمت عربي، وتخاذل إقليمي، وعجز داخلي. واليوم، يتصاعد الحديث علنًا عن نية الاحتلال الإسرائيلي إعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، في مشروع استعماري جديد تُستكمل فيه فصول النكبة المستمرة.

1️⃣غزة… عنوان الصمود

غزة، بشريطها الساحلي الصغير والمحاصر منذ أكثر من 17 عامًا، شكلت نموذجًا للمقاومة الشعبية والعسكرية ضد الاحتلال. لم تكن يومًا رقمًا هامشيًا في المعادلة، بل كانت قلبها النابض. دفعت غزة الثمن الأكبر من دماء أبنائها، من أطفالها، من بنيتها التحتية، فقط لتبقى فلسطينية.

لكن ما كان يبدو قبل سنوات مستحيلاً، بات يُطرح اليوم على طاولة القرار الإسرائيلي بجرأة غير مسبوقة: السيطرة الكاملة على غزة، إسقاط حكومتها، تفكيك مقاومتها، وربما تهجير جزء من سكانها قسرًا.

2️⃣المتخاذلون… شركاء في الجريمة

ليس الاحتلال وحده من يتحمل مسؤولية ما آلت إليه غزة. فهناك من اختار الصمت، ومن تآمر، ومن وجد في معاناة الغزيين فرصة للمساومة أو الابتزاز السياسي. أنظمة عربية هرولت نحو التطبيع بينما كانت الطائرات تقصف بيوت الأطفال في رفح وخانيونس وغزة المدينة. مؤتمرات انعقدت، وشعارات رفعت، لكن الفعل كان غائبًا، والإرادة ميتة.

3️⃣العاجزون… بين الخلاف والانقسام

وفي الجانب الآخر، تقف القوى الفلسطينية منقسمة، متناحرة، غارقة في حساباتها الضيقة. انعدام الوحدة الوطنية وغياب المشروع الوطني الجامع ساهما في إضعاف الجبهة الداخلية. غزة التي تقصف ليلًا ونهارًا، لم تجد في الضفة يدًا حقيقية تسندها، ولم تحظَ بإجماع فلسطيني يستثمر نضالها لصالح مشروع تحرري حقيقي.

العجز ليس فقط في السلاح، بل في الرؤية، في القرار، في غياب التنسيق والعمل المشترك. وفي ظل هذا الواقع، يصبح من السهل على الاحتلال أن يعلن نيته إعادة احتلال غزة، دون أن يخشى ردًا عربيًا أو فلسطينيًا بحجم التهديد.

4️⃣الاحتلال… مشروع لا يتوقف

إسرائيل، منذ قيامها، لم تُخفِ أطماعها التوسعية. ما يجري اليوم في غزة ليس فصلًا منفصلًا، بل امتداد طبيعي لمشروع استعماري يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية برمتها. غزة تُستهدف لأنها تمثل شوكة في حلق هذا المشروع، لأنها تؤمن بالمقاومة حين استسلم الجميع.

لكن المشروع الاستعماري لن ينجح طالما بقي في غزة من يرفع السلاح والكلمة والموقف، ويؤمن بأن الأرض لا تُوهب، وأن الكرامة لا تُباع.

5️⃣كيف نحمي غزة من الضياع؟

السؤال الأهم اليوم: ما العمل؟ وكيف نحمي غزة من السقوط في فخ الاحتلال الكامل أو التهجير القسري أو التصفية البطيئة؟

🟢 دور الأفراد:

🔹الوعي أولًا: على كل فرد في العالم العربي والإسلامي أن يدرك أن ما يحدث في غزة ليس شأنًا فلسطينيًا فقط، بل هو قضية كرامة وهوية ومصير للأمة كلها.

🔹الدعم الشعبي: المشاركة في الحملات التضامنية، المظاهرات السلمية، نشر الحقائق، كسر الرواية الصهيونية، والتبرع للجهات الموثوقة لدعم الإغاثة.

🔹المقاطعة: مقاطعة الشركات الداعمة للاحتلال، وممارسة ضغط اقتصادي شعبي يردع الاحتلال وداعميه.

🟢 دور المؤسسات:

🔹المؤسسات الإعلامية: عليها كسر التعتيم الإعلامي، ونقل الحقيقة بجرأة ومهنية، وتسليط الضوء على الجرائم اليومية التي تُرتكب بحق المدنيين.

🔹المؤسسات التعليمية والثقافية: يجب أن تُبقي القضية حية في المناهج والبرامج والمبادرات الثقافية والفنية.

🔹المنظمات الحقوقية: توثيق الجرائم، ورفعها للمحاكم الدولية، وكشف الانتهاكات أمام العالم.

🟢 دور الدول العربية:

🔹الضغط السياسي والدبلوماسي: استخدام أدوات الضغط في الأمم المتحدة والمحافل الدولية، وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية كبوصلة السياسات الخارجية.

🔹وقف التطبيع: لا يُعقل أن تُداس كرامة غزة، بينما تُستقبل وفود الاحتلال في العواصم العربية.

🔹الدعم الاقتصاد دعم يُترجم إلى مشاريع تُسند صمود السكان، وخطة واضحة لوقف المجاعة ووقف الحرب وإعادة إعمار غزة لأهلها وحمايتها من الاحتلال والعدوان عليها .

🟢وفي الختام :

غزة لن تضيع غزة اليوم في مهب الريح، نعم. لكن التاريخ لم يكتب بعد نهايتها، لأن الشعوب لا تموت، والمقاومة لا تُهزم حين تكون نابعة من إيمان راسخ بالحق.

المعادلة واضحة: إما أن يصحو المتخاذلون، ويستفيق العاجزون، أو أن تُترك غزة وحدها من جديد. لكن حتى إن تُركت، فإنها ستبقى، كما كانت دائمًا، تصنع الكرامة من تحت الركام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى