مقالات و رأيمقالات وراي

كده هطلّق وهتطلّق … بقلم / د . رجب عبد اللطيف محمد

رئيس قسم التنمية البشرية

كده هطلّق وهتطلّق

الطلاق لم يعد حدثًا استثنائيًا، بل ظاهرة اجتماعية تتفاقم يومًا بعد يوم في مجتمعاتنا العربية، حتى صارت تُهدد كيان الأسرة واستقرار المجتمع بأسره.

1️⃣إحصائيات عن كثرة الطلاق في المجتمع العربي

تشير الإحصاءات الرسمية إلى ارتفاع مذهل في معدلات الطلاق خلال السنوات الأخيرة.

ففي مصر مثلًا تُسجَّل حالة طلاق كل دقيقتين تقريبًا، وفي بعض الدول الخليجية بلغت النسبة أكثر من 35% من الزيجات.

هذه الأرقام تكشف أزمة حقيقية في فهم الزواج ومعناه، وضعف الوعي لدى الشباب بأهمية الميثاق الغليظ الذي يقوم عليه الزواج.

2️⃣ أسباب كثرة الطلاق

🟢 سوء الاختيار

أول بذور الفشل تُزرع عند سوء الاختيار، حين يُبنى الزواج على المظاهر أو الإعجاب المؤقت، لا على الدين والعقل والأخلاق.

قال النبي ﷺ:

“تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك”
(رواه البخاري ومسلم).

وهذا الحديث الشريف يضع معيار النجاح في الزواج: الدين والخلق، لأن المال والجمال يزولان، أما الدين فهو الضمان الحقيقي للاستقرار والمودة.

وقال أيضًا:

“إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض”
(رواه الترمذي وحسّنه الألباني وضعفه بعض أهل العلم ).

فهذا توجيه نبوي صريح للأهل أن يجعلوا الخلق والدين معيار القبول، لا المظاهر ولا المكانة.

🟢 عدم التكافؤ الثقافي والفكري

من أهم أسباب الطلاق اليوم أن الزوجين يعيشان في عالمين مختلفين من التفكير والعادات والقيم.
حين لا يوجد تفاهم فكري وروحي، تصبح الحياة صراعًا دائمًا.
لذلك وصي رسول الله ﷺ:

“لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر”
(رواه مسلم).

أي لا يُبغِضها ولا يُطلِّقها بسبب خصلة يكرهها، بل يتغافل ويوازن بين الصفات، وهذا تربية نبوية على الوعي والتفاهم والرحمة بين الزوجين

🟢 عدم التكافؤ المادي

كثير من الخلافات اليوم سببها الضغوط الاقتصادية أو التطلعات المادية الزائدة.
لكن النبي علّمنا أن السعادة ليست في المال، بل في القناعة والبركة.

قال ﷺ: “قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنّعه الله بما آتاه”(رواه مسلم).

وقال أيضًا:
“خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”
(رواه الترمذي).

فالعشرة الحسنة والقناعة المتبادلة أساس الاستقرار، لا الغنى ولا المظاهر.

🟢 غياب النصح والتربية على قدسية الزواج

جيل اليوم لم يتربَّ على معنى الميثاق الغليظ ولا على الصبر على الحياة الزوجية، فصار الطلاق عند البعض أول الحلول لا آخرها.

3️⃣ وصية الأعرابية لابنتها ليلة زفافها

ومن روائع التراث العربي ما قالته أعرابية لابنتها ليلة زفافها، وهي وصية تعدّ من أبلغ ما قيل في فن الحياة الزوجية:

“يا بُنيّة، إنك قد خرجتِ من بيتك الذي فيه نشأتِ، إلى بيتٍ لم تعرفيه، وقرينٍ لم تألفيه، فكوني له أمةً يكن لك عبدًا، واحفظي له عشر خصال:

◽الأولى والثانية: القناعة والطاعة؛ فبالقناعة تُرضين، وبالطاعة تُكرَمين.

◽الثالثة والرابعة: تفقد موضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.

◽الخامسة والسادسة: تفقد وقت طعامه ومنامه؛ فإن الجوع يُلهب، وتأخير النوم يُغضب.

◽السابعة والثامنة: رعاية ماله وعياله، فإن حفظ المال من حسن التدبير، ورعاية العيال من كرم الأصل.

◽التاسعة والعاشرة: ألا تُفشي له سرًّا، ولا تعصي له أمرًا؛ فإنك إن أفشيتِ سره لم تأمني غدره، وإن عصيتِ أمره أوغرتِ صدره.

◽ثم إياك والفرح إذا كان حزينًا، والحزن إذا كان فرحًا؛ فإن الأولى من قلة الأدب، والثانية من سوء الفهم.”

وصية تفيض بالحكمة، تلخّص معاني التفاهم، والصبر، والرعاية المتبادلة التي تُقيم بيتًا على المودة والرحمة.

🔶وفي الختام

الطلاق لم يكن يومًا حلاً سهلًا، بل جراحة مؤلمة لا تُجرى إلا بعد استنفاد كل وسائل الإصلاح.
فليكن شعارنا كما قال الله تعالى:”وَإِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا”(النساء: 35).

فلنُربِّ أبناءنا وبناتنا على الوعي، وحُسن الاختيار، واحترام الميثاق الغليظ، حتى لا نصل إلى لحظة نقول فيها:
“كده هطلّق وهتطلّق!”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى