مقالات و رأيمقالات وراي

قلب من حجر … بقلم / د . رجب عبد اللطيف محمد

رئيس قسم التنمية البشرية

قلب من حجر 

هل من الممكن أن يصبح القلب مثل الحجر؟
في القرآن الكريم، نجد أن قسوة القلوب تأتي في سياق التنبيه على التحجر الروحي والرفض المستمر لرسالات الأنبياء. إذا كانت الحجارة هي أكثر المواد قسوة وصلابة، فما بالك بقلبٍ قسى وتوقف عن الشعور بالرحمة والهدى؟

هذا ما يصفه الله تعالى في آياته المباركة حين يتحدث عن قسوة قلوب بني إسرائيل، الذين بعد أن شهدوا معجزات عظيمة، لم يلينوا ولم يعودوا إلى الله.

في هذا المقال، نغوص أكثر في معنى قسوة القلوب كما وردت في القرآن الكريم، وكيف انعكست هذه القسوة على أحداث تاريخية متعددة، وكيف يمكننا أن نتعلم من هذه القصص لكي لا نقع في نفس الفخ.

1️⃣ ” قلب كالحجر” – وصف قرآني يلفت الأنظار

إن وصف الله لقلوب بني إسرائيل بالحجارة ليس مجرد تعبير مجازي، بل هو إشارة إلى حالة من الجمود الروحي. قال تعالى:
“ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً” (البقرة: 74)،
يشير إلى أن بني إسرائيل، رغم ما شهدوه من معجزات ومعايير إلهية، فإن قلوبهم قد أغلقت أمام الهداية. هذه القسوة لم تكن مجرد حالة عرضية، بل كانت جزءًا من تحولات مستمرة في علاقتهم مع الله ورسالاته.

الحجارة التي هي رمز للقوة والصلابة، تظهر في هذا السياق كإشارة إلى الانغلاق الفكري والروحي الذي يعيشه هؤلاء القوم.

2️⃣ المعجزات لا تفيد… ماذا يحدث عندما تتصلب القلوب؟

من المعروف في تاريخ بني إسرائيل أنهم شهدوا العديد من المعجزات التي أرسلها الله سبحانه وتعالى. مثل معجزة شق البحر للنبي موسى عليه السلام، ومعجزات أخرى مثل نزول المن والسلوى. ومع ذلك، لم تفدهم هذه المعجزات في شيء. بل كانت قلوبهم تزداد قسوة مع كل معجزة يشهدونها.

إن القسوة هنا تشير إلى حالة من الإنكار العميق والتحدي المستمر لله، مما جعلهم يغلقون قلوبهم عن أي دعوة للإيمان، ويستمرون في التمرد على رسالات الأنبياء.

3️⃣ التآمر والخيانة: دور اليهود في تاريخ الإسلام

في ظل تاريخ الإسلام، لم تتوقف قسوة قلوب بني إسرائيل على مجرد رفضهم للأنبياء، بل امتدت لتشمل خيانة العهود. في المدينة المنورة، كانت هناك اتفاقيات بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبين قبائل يهودية. لكن،

وكما في الماضي، خالفوا تلك الاتفاقيات وذهبوا إلى التحالف مع أعداء الإسلام في غزوات مثل غزوة “أحد” و”الخندق”. كان التآمر ضد النبي والمسلمين واضحًا، ورغم أنهم يعرفون تمامًا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء، إلا أن قلوبهم كانت قد قست على الحق تمامًا.

4️⃣ ماذا يحدث حينما يتصلب القلب؟

القلب المتصلب لا يقتصر أثره على عدم الإيمان فقط، بل يتعدى ذلك إلى الأفعال السلبية التي تؤذي النفس والآخرين. قسوة القلب يمكن أن تفضي إلى عدة مظاهر مثل:

🔹التمرد على الحق: كما حدث مع بني إسرائيل، الذين رغم أنهم رأوا الآيات الكبرى لم يؤمنوا.

🔹التآمر على الخير: كما رأينا في التاريخ الإسلامي، حيث سعى البعض إلى تدمير الدعوة الإسلامية.

🔹التجاهل للرحمة الإلهية: عندما يغلق القلب على نفسه، يصبح غير قادر على الشعور بالرحمة أو التوبة، ويظل يصر على خطأه.

5️⃣ دروس من قسوة القلوب: كيف نتجنبها؟

القرآن الكريم يقدم لنا دروسًا عدة لتجنب قسوة القلب. أولاً، يجب أن نكون دائمًا منفتحين على الهداية، ولا نغلق أبواب قلوبنا أمام الحق. فالطريق إلى الله يحتاج إلى قلب متواضع، قادر على التوبة والاعتراف بالخطأ.

إن التأمل في معجزات الله والنعم التي أسبغها علينا من حولنا يجب أن يفتح قلوبنا، لا أن يجعلها تتصلب.

ثانياً، يجب أن نكون حذرين من التآمر ضد الخير، وأن نتجنب الخيانة في علاقاتنا مع الآخرين، كما فعل بعض من بني إسرائيل.

6️⃣ العودة إلى الله: “قلوب سليمة تخشي الله

من أهم الدروس التي نستفيد منها من قصة قسوة قلوب بني إسرائيل هو ضرورة أن يكون لدينا قلب سليم ومستعد للتوبة في كل لحظة. لا يجب أن نسمح للقسوة أن تسيطر علينا، بل يجب أن نتعلم من أخطاء من سبقونا.

إذا شعرنا أن قلوبنا قد قست أو صارت بعيدة عن الله، فليس هناك وقت أفضل من الآن للتوبة والرجوع إلى الله.

🔶في الختام:

القلب هو مركز الإيمان، وإذا قسى أصبح بعيدًا عن الله، وإذا لانت أصبح في رحاب الله سبحانه وتعالى. من خلال التفكير العميق في قصص القرآن والأحداث التاريخية،

يمكننا أن نتجنب السقوط في فخ القسوة، وأن نحرص على أن نكون أصحاب قلوب مرنة دائمًا. فلنفتح قلوبنا لله ونحافظ على تواصُلنا المستمر مع الحق، لنحيا حياة مليئة بالرحمة والهداية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى