مقالات و رأي

خلاصة الكلام في أسباب اختلاف الأئمة الأعلام … بقلم / د . رجب عبد اللطيف محمد

رئيس قسم التنمية البشرية

خلاصة الكلام في أسباب اختلاف الأئمة الأعلام

الشريعة الإسلامية قامت على القرآن الكريم و السنة النبوية كمصدرين أساسيين للأحكام،
لكن الأئمة والعلماء — مع إخلاصهم واجتهادهم — اختلفوا في بعض المسائل الفقهية،
وهذا الاختلاف لم يكن في العقيدة أو الثوابت، بل في الفروع العملية التي تحتمل أكثر من وجه.

فالخلاف بينهم لم يكن تناقضًا، بل تنوّعًا في الفهم والاجتهاد، وكلٌّ منهم أراد الحق وأصاب أو اجتهد فأخطأ.

1️⃣ الاختلاف في الفقه لا في العقيدة
الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر من المسائل الثابتة التي لا تقبل الاجتهاد،
أما الأحكام العملية (كالطهارة والصلاة والزكاة…) فهي مجال للاجتهاد والفهم.

مثال: لا تجد اختلافًا بين الأئمة في وجوب الصلاة،
لكن قد يختلفون في عدد تكبيرات العيد أو صفة رفع اليدين في الصلاة.

2️⃣ أسباب اختلاف الفقهاء مع أمثلة من السنة الصحيحة

◽اختلاف الفهم للنصوص

النص الواحد قد يحتمل أكثر من تفسير، فيفهمه العلماء بطرق مختلفة.

🔸 مثال: قال النبي ﷺ:
«إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا» (رواه البخاري ومسلم)
بعض العلماء قال: الغسل واجب (لأن الأمر للوجوب).

وآخرون قالوا: مستحب (لأن العلة ليست قطعية).

◽ اختلافهم في صحة الحديث وثبوته

قد يثبت الحديث بسند صحيح عند إمام، ويُضعف عند آخر.

🔸 مثال:
«توضؤوا من لحوم الإبل»
(رواه مسلم)

الإمام أحمد أخذ بظاهر الحديث وأوجب الوضوء بعد أكل لحم الإبل

بينما أبو حنيفة ومالك قالا: لا يجب، لأن الحديث محتمل أو منسوخ

🔸 ومثله: حديث «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه»
– بعض العلماء أوجب التسمية.
– وآخرون قالوا: هي سنة وليست شرطًا.

اختلاف في دلالة الألفاظ

اللغة العربية واسعة، وكلمة واحدة قد تُفهم بأكثر من معنى.

🔸 مثال:
في قوله تعالى:>
﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾
(المائدة: 6)
– الشافعي قال: “الباء” للتبعيض، فيكفي مسح بعض الرأس.

– مالك قال: يجب مسح الرأس كله.

– وأحمد قال: يُمسح أكثر الرأس.

🔸 ومثال آخر:
حديث «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»
اختلفوا: هل تشمل المأموم خلف الإمام أم لا؟

◽ اختلاف باختلاف العرف والزمان والمكان

بعض الأحكام تتأثر بالعادات والبيئات.

🔸 مثال: زكاة الحُلي
– الحنفية قالوا: فيها زكاة لأنها مال نامٍ.

– الجمهور قالوا: لا زكاة فيها لأنها للزينة

واستندوا إلى أحاديث فيها أثر لنساء النبي ﷺ.

🔹 ومثال: نوع الطعام الذي تُخرج منه الزكاة يختلف من بلد لآخر بحسب ما يُقتات ويُدخر.

◽ اختلاف في ترتيب الأدلة وتقديم بعضها على بعض

العلماء يختلفون: من يُقدّم الحديث؟ ومن يُقدّم القياس أو المصلحة؟

🔸 مثال:
في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الفاتحة:

– الشافعي قال: تُجهر لأنها آية منها.

– مالك وأبو حنيفة قالا: تُقرأ سرًّا لأنها ليست من السورة.

🔸 ومثال آخر:
في مس الذكر: هل ينقض الوضوء؟
– من قدّم الحديث قال: نعم.

– ومن قدّم القياس على سائر اللمسات قال: لا ينقض.

◽ اختلاف في الجمع بين النصوص

قد تأتي أحاديث ظاهرها مختلف، فيحاول كل إمام الجمع بينها بطريقته.

🔸 مثال:
في صلاة العشاء: بعض الأحاديث فيها تعجيل، وأخرى فيها تأخير.
فمنهم من قال الأفضل التعجيل، ومنهم من قال التأخير لمن استطاع.

🔸 ومثال:
قيام رمضان (التراويح) — النبي ﷺ صلاها جماعة ثم تركها خشية أن تُفرض،
وفي عهد عمر رضي الله عنه جُمعت الناس عليها،
فقال العلماء: كلا الفعلين صحيح، بحسب المصلحة والقدرة.

3️⃣ كيف نتعامل مع هذا الاختلاف؟

✅ نفهم أن الخلاف بين العلماء سعة ورحمة.

✅ لا يجوز الطعن في إمام أو مذهب بسبب اجتهاده.

✅ على المسلم أن يبحث عن القول الراجح بالدليل إذا كان مؤهلاً لفهم الأدلة والترجيح بين الأدلة

✅يأخذ بفتوى العالم الثقة دون تعصّب أو تحزّب اذا كان ممن لا يستطيع الترجيح بين الأدلة الشرعية

🔶في الختام :

اختلاف الأئمة الأعلام لم يكن صراعًا، بل تنوع في الفهم والاجتهاد،
وكلٌّ منهم اجتهد بما بلغه من علم وحرص على اتباع سنة النبي ﷺ.

فالخلاف في الفقه رحمة للأمة، لأنه يفتح أبواب التيسير،
ويُظهر سعة الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان.

اجتمعوا في المقصد، واختلفوا في الطريق، فجزاهم الله عن الأمة خير الجزاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى