
التعلّق… مرض أم حرمان؟
يُعدّ التعلّق من أكثر المشاعر الإنسانية تعقيدًا، خصوصًا عند المرأة. وقد يظهر في علاقتها بالرجل أو في ارتباطها الشديد بابنها.
ويبقى السؤال الأساسي:
هل التعلّق مرض نفسي؟ أم نتيجة حرمان عاطفي؟
أولًا: مفهوم التعلّق
التعلّق هو شعور عميق بالرغبة في القرب من شخص معيّن، مصحوب بالخوف من فقدانه.
وهو في الأصل شعور طبيعي، لكنه يتحول لمشكلة عندما يصبح مبالغًا فيه لدرجة التأثير على الحياة اليومية، وفقدان التوازن النفسي.
ثانيًا: متى يصبح التعلّق مرضًا نفسيًا؟
يتحوّل التعلّق إلى مشكلة أو اضطراب نفسي عندما تظهر بعض العلامات، مثل:
1. الخوف الشديد من الفقد أو الهجر.
2. التنازل الكامل عن الحدود الشخصية.
3. الشعور بأن الحياة بلا قيمة دون وجود الشخص الآخر.
4. مراقبة الطرف الآخر أو التفكير القهري فيه.
5. القلق المستمر عند أي انفصال مهما كان بسيطًا.
ويُعرف هذا في علم النفس باسم:
اضطراب التعلّق أو الارتباط القَلِق.
ثالثًا: التعلّق الناتج عن الحرمان العاطفي
الحرمان العاطفي هو السبب الأكثر انتشارًا للتعلّق الشديد، وغالبًا يعود إلى:
1. غياب الاحتواء والحنان في الطفولة.
2. نقص كلمات التقدير والدعم داخل الأسرة.
3. نشأة في بيئة باردة عاطفيًا أو قاسية.
4. الشعور بالوحدة وقلة الاهتمام في مراحل مختلفة من الحياة.
5. فراغ عاطفي داخل العلاقة الزوجية.
في هذه الحالة يكون التعلّق تعويضًا عن عاطفة مفقودة، وليس اضطرابًا نفسيًا في حد ذاته.
رابعًا: تعلّق المرأة بالرجل
يحدث غالبًا نتيجة:
1. ضعف الثقة بالنفس.
2. حاجة شديدة للأمان والدعم.
3. التجارب السابقة المؤلمة.
4. شعورها بأن الرجل هو مصدر القيمة والطمأنينة.
وغالبًا يتحول التعلّق هنا إلى اعتماد وليس علاقة متوازنة.
خامسًا: تعلّق المرأة بابنها
يُعدّ من أقوى أنواع التعلّق، لكنه يصبح مشكلة عندما:
1. تعتبر الأم ابنها تعويضًا عن نقص داخل العلاقة الزوجية.
2. تعتمد عليه نفسيًا بشكل منفصل عن دورها كأم.
3. ترفض استقلاله أو تحاول التحكم الدائم فيه.
4. ترى فيه “الرجل الوحيد” في حياتها بعد تجارب فشل أو خيبة.
هذا النوع يؤدي لاحقًا إلى مشاكل في شخصية الابن وهويته واستقلاله.
سادسًا: أيهما السبب الأقوى؟ المرض أم الحرمان؟
تشير الدراسات والخبرة النفسية إلى أن:
نحو 80% من حالات التعلّق عند النساء سببها الحرمان العاطفي.
أما المرض النفسي فيظهر غالبًا كمرحلة لاحقة إذا استمر الحرمان لفترة طويلة دون وعي أو علاج.
بمعنى آخر:
التعلّق في أغلب الحالات هو جرح قديم… وليس عيبًا في الشخصية.
سابعًا: خطوات التعافي من التعلّق
1. تقوية العلاقة بالنفس وبناء تقدير الذات.
2. وضع حدود واضحة وصحية في العلاقات.
3. توسيع الحياة الشخصية: هوايات، علاقات اجتماعية، نجاحات.
4. فهم جذور التعلّق ومعالجة خبرات الطفولة المؤلمة.
5. اللجوء لمختص نفسي عند وجود تعلق مرضي أو سيطرة تامة على التفكير.
💠واخيرا :
التعلّق ليس ضعفًا، بل رسالة داخلية تقول:
“أحتاج للأمان والاهتمام.”
والتعافي يبدأ عندما تفهم المرأة هذا الشعور وتعيد بناء ذاتها قبل أن تبني أي علاقة مع الآخرين.

