مبدأ الفصل بين السلطات / بقلم د. محمد عبد الغفار
يتأتى ذلك عبر مجموعة من الضمانات الجوهرية منها ما هو قانونى ومنها ما هو سياسى

إذا تتبعنا مسيرة تطور الشعوب والمجتمعات، سنجد أن ممارسة السُلطة فيها تتجه دائمًا إلى ترسيخ دولة القانون،
ويتأتى ذلك عبر مجموعة من الضمانات الجوهرية منها ما هو قانونى ومنها ما هو سياسى،
وإذا ما قام الحديث عن الضمانات ذات الطابع السياسى فإننا نجد أن مبدأ الفصل بين السُلطات يتصدر قمتها .
ولا يكاد يُذكر مبدأ الفصل بين السُلطات إلا ونجده مُقترنًا بإسم الفقيه “مونتسكيو” ولمَ لا ؟ فهو الفقيه الذى صاغ مفهومًا شاملاً لهذا المبدأ العظيم.
وانطلق فى ذلك من خلال فكرة توزيع السُلطات داخل الدولة الواحدة على هيئات ومؤسسات وأجهزة مستقلة،
مع الاعتراف بضرورة إقامة نوع من التوازن والتعاون فيما بينها تحقيقًا لفكرة جوهرية أخرى برزت فى نظرية “مونتسكيو” ،
التى تقول بأن السُلطة تحُد أو تُوقف السُلطة .
هذا وقد تباينت الأنظمة المقارنة من حيث درجة تطبيقها لهذا المبدأ المهم،
فنجد دولاً إتجهت إلى تطبيقه بجمود مع بعض الاستثناءات كما هو الحال فى النظام الرئاسى فى الولايات المتحدة الأمريكية،
ونجد بعض الدول وقد ركزت على تعاون السُلطات بشكل يطغى على مبدأ الفصل بينهم كما هو حال النظام البرلمانى فى انجلترا،
بينما نجد دول أخرى مزجت بين خصائص النظام الأول والثانى فأسفر ذلك عن وجود نظام مختلط، وهو ما يُسمى بالنظام شبه الرئاسى،
وهذا النظام وجد بيئته فى فرنسا، وظهر ذلك واضحًا جليًا فى دستورها ابتداءً من عام 1958م .
ومما تقدم يتبين لنا أن العلاقة بين السُلطات العامة داخل الدولة هى الجوهر الرئيسى لفهم مبدأ الفصل بين السُلطات على نحوٍ سليم،
وهى علاقة متفاوتة من نظامٍ لآخر فالنظام البرلمانى مثلاً لا يقوم على الاتفاق الدائم بين السُلطتين التشريعية والتنفيذية فى كل الأحوال،
أو أن هذا النظام لا يحول دون إمكان قيام خلاف بين السُلطتين، وهذا النظام يضع فى يد كل سُلطة ما يُمَكِنُها من مراقبة السُلطة الأخرى،
فنجد الوزارة فى النظام البرلمانى مسئولة عن أعمالها طبقًا لما يُعرف بنظرية المسئولية السياسية للحكومة،
أمام البرلمان التى قد تؤدي إلى الإطاحة بها، ونجد السُلطة التنفيذية تملك حق حل البرلمان .
ومن هنا برزت فكرة دراسة كيفية ممارسة الدور الرقابى من طرف البرلمان عبر الآليات التى تُخول له تلك الرقابة،
والتى نص عليها الدستور أو النصوص القانونية المتنوعة التى تحكُم هذه الرقابة .
وحيثُ تُعَدُ الرقابة على أعمال الحكومة هى أحد أهم مظاهر التأثير للسُلطة التشريعية على السُلطة التنفيذية،
وتهدف إلى الكشف عن تنفيذ أو عدم تنفيذ القواعد العامة فى الدولة وتحديد المسئول عن ذلك .
وإرساء مبدأ التعاون والتوازن بين السُلطتين وإقامة العلاقة بينهما على أساسٍ من التناغم والتكامل لا على التصادُم والتفاضل،
وتعميق مفهوم الديمقراطية، فجاءت الآليات الرقابية التى تستخدمها السُلطة التشريعية فى مواجهة السُلطة التنفيذية،
وهذه الآليات الرقابية مهمة جدًا وترتقى إلى مصاف الحقوق الدستورية البرلمانية التى يجب أن تتميز بالفاعلية،
أما إذا نُزعت منها الفاعلية وأصبحت عديمة الأثر فعندئذ يبقى الدور الرقابى حبيسًا للنصوص القانونية واللوائح الداخلية،
ومن هنا فإن الدور الرقابى يبدو للوهلة الأُولى أنه سهلٌ بسيط، لكن مع الغوص فى أعماقه وسبر اغواره نجد أنه موضوع مُتشعب جدًا نظرًا لارتباطه بالجانب السياسى والقانونى،
ولكن رغم صعوبته ووعورة السير فيه إلا أنه موضوع شيق ومثير للفضول العلمى والمعرفى ومتجدد بطبيعته .