المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون العمل -يكتبها / محمد جبران وزير العمل
مع دخول عالمنا المعاصر حقبة زمنية جديدة

اعدتها للنشر / سارة عبد الله
لا شك أن قانون العمل من أهم القوانين التي تمس حياة الفرد والمجتمع من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويستمد قانون العمل أهميته وقيمته من أهمية العمل وقيمته عند الانسان،
وتقدر قيمة المرء في مجتمعه وبين أهله وأصحابه وذويه بقدر ما يحسن من عمل أو يتقن..وبفضل العمل استطاعت البشرية تطويع الطبيعة لخدمة مصالحها، وحسن استغلال الموارد والثروات الطبيعية لتحقيق التطور والازدهار.
والعمل هو أساس بناء الأمم والحضارات، وهو أساس النمو الاقتصادي والاجتماعي لأي مجتمع، وهو حجر الزاوية لقيام الدول واستمرارها، فأي نظام حكم لا تستقر أركانه ولا يحقق أهدافه إذا أهمل العمل…كما يكتسب أهميته أيضاً من اعتباره أحد حقوق الانسان، فالحق في العمل من الحقوق الأساسية التي نظمتها الشرعة الدولية لحقوق الانسان،
فتناوله الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والعهدين الدوليين، فضلاً عن اتفاقيات الأمم المتحدة مثل اتفاقية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، واتفاقية حقوق الطفل، والأشخاص ذوي الإعاقة، وغيرها، والاتفاقيات الدولية الإقليمية والعربية،
فالحق في العمل وما يتفرع عنه من حقوق فردية أو جماعية، محل اهتمام ورعاية ومتابعة على الصعيد الدولي.
وفي ذات السياق فقد أصدرت منظمة العمل الدولية 191 اتفاقية عمل دولية صدقت جمهورية مصر العربية على 65 اتفاقية منها ،تنظم جميعها حقوق العمال في العمل وما يرتبط به من حقوق كالحق في الحرية النقابية والمفاوضة الجماعية وحرية العمل وحظر العمل الجبري وتوفير بيئة عمل صحية وامنة وغيرها من الحقوق.
ويكتسب قانون العمل أهميته أيضاً في مصر من الدستور ذاته حيث اعتبره الدستور ” قانوناً مكملاً للدستور”، باعتباره منظماً لأحد الحقوق والحريات الهامة وفقاً لما تضمنته المادة رقم 121 من الدستور.
كما نصت المادة رقم 12 من الدستور على أن ” العمل حق، وواجب، وشرف تكفله الدولة. ولا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبراً، إلا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة، لمدة محددة، وبمقابل عادل، ودون إخلال بالحقوق الأساسية للمكلفين بالعمل.
كما نصت المادة رقم (13) من الدستور على أن ” تلتزم الدولة بالحفاظ على حقوق العمال، وتعمل على بناء علاقات عمل متوازنة بين طرفي العملية الانتاجية،
وتكفل سبل التفاوض الجماعي، وتعمل على حماية العمال من مخاطر العمل وتوافر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية، ويحظر فصلهم تعسفياً، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون.
كما تضمن الدستور في أكثر من خمسين مادة من مواده الإشارة الى العمل أو أحد العناصر المتفرعة منه، أو الحفاظ على حقوق العمال أو العاملين، أو تنمية مهاراتهم، وغيرها من الموضوعات التي ينظمها قانون العمل.
ولا شك في أن قانون العمل له خصوصية وله خصائص تميزه عن غيره من التشريعات فقواعده القانونية آمرة، ويجوز الاتفاق على مخالفته إذا كان هناك مزايا أفضل للعمال،
وعدم محدودية مصادره، ويترك دائماً مساحة واسعة لتفسير القاضي واجتهاده نظراً لصعوبة تعرضه لكافة احتمالات النزاع في علاقات العمل، ويعظم دور التسوية الودية ،
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فمن خصوصيته أيضاً أنه قانون ينظم مصالح متقابلة لأطراف ثلاثة (الحكومة – العمال – أصحاب الاعمال ) ، وهو ما يستوجب أن تكون كافة الأحكام التي يتضمنها القانون تراعي الأطراف الثلاث ولا تغلب مصلحة طرف على طرف اخر.
ويرتبط نجاح قانون العمل في تحقيق مصالح كافة الأطراف حكومة وعمالا وأصحاب عمل، بمدى مراعاة التوازن بين تلك المصالح التي تكون في العديد من الأحيان متقابلة ومتعارضة في أحيان أخرى،
ولا تستطيع الحكومة منفردة أن تحقق التوازن إلا إذا قامت بحوار وتشاور بناء وحقيقي بين أطراف علاقة العمل يستعرض كل طرف منهم رؤيته وتطلعاته ،
ولا يتحقق التشاور الحقيقي إلا إذا كان في ضمير كل طرف الحرص على التوافق ، والتوافق الحقيقي يتحقق بتنازل كل طرف عن بعض مطالبه في سبيل تحقيق بعض مطالب الطرف الاخر ..وهو ما كانت تسعى اليه وزارة العمل في جلسات المجلس الأعلى للتشاور الاجتماعي أثناء مناقشة مشروع قانون العمل.
ويستهدف مشروع قانون العمل التعرض لكافة الجوانب الخاصة بأطراف العمل الثلاث، وصولاً إلى وضع قواعد تعبر عن الواقع الفعلي لسوق العمل .
وتحقيق مصالح الدولة والمجتمع وأصحاب العمل والعمال.
فالعامل يبتغي الحفاظ على حقوقه وتوفير حياة مهنية مستقرة، ومقابل أجر عادل، ورعاية اجتماعية وصحية،
ونظام تأميني يحقق له الأمان، والاطمئنان على مستقبله المهني، والأسري وهذا حقه، وصاحب العمل يبتغى نظام يؤمن له استثماراته،
ويضمن له قيام العامل بواجباته، ويعزز إنتاجه، ويحقق أرباحه في بيئة خالية من المخاطر أو المخاوف أو التحديات،
وهذا حقه، والدولة تبتغي تحقيق الاستقرار والسلام الاجتماعيين، وزيادة الإنتاج، وتحقيق التوازن بين طرفي العلاقة الإنتاجية لتنمية الاقتصاد الكلي،
وتوفير فرص عمل للشباب والحد من معدلات البطالة، وزيادة الدخل القومي، وتخفيف الأعباء المالية عن كاهل الدولة، وتنظيم سوق العمل.
لقد تطور قانون العمل تطوراً سريعاً منذ بداية القرن التاسع عشر مع بزوغ فجر الثورة الصناعية في مختلف البلدان،
خاصة الغربية منها، بعيدا عن الفلسفة الفردية التي سادت القرن الثامن عشر..و مع بداية القرن العشرين، بدأت أغلب الدول في جهود إعداد قوانين للعمل،
و قد شهدت مصر عدداً ليس بالقليل من التشريعات التي تتبني هذه الفكرة المهمة، فقد صدر من هذه القوانين القانون رقم 48 لسنة 1933 في شأن تشغيل الأحداث، و القانون رقم 80 لسنة 1933 في شأن تشغيل النساء، والقانون رقم 64 لسنة 1936 في شأن إصابات العمل،
و صدر القانون رقم 72 لسنة 1940 بشأن تنظيم ساعات العمل في المحال التجارية و دور الصناعة، ثم صدر القانون رقم 85 لسنة 1942 بشأن النقابات العمالية،
و القانون رقم 41 لسنة 1944 بشأن عقد العمل الفردي، وتوالى صدور القوانين المنظمة لعلاقات العمل المختلفة على هذا النحو، حتى صدور القانون رقم 91 لسنة 1959 في شأن قانون العمل ، ويعد هذا القانون هو البداية الحقيقة لقانون موحد ينظم علاقات العمل .
وفي عام 1981 صدر قانون العمل رقم 137، وبصدور هذا القانون تأكد لدى كافة عناصر علاقة العمل عزم الدولة على المضي قدما في الاهتمام بعلاقات العمل، إلى أن صدر القانون رقم 12 لسنة 2003 ..ومع دخول عالمنا المعاصر حقبة زمنية جديدة تختلف عن كافة المراحل السابقة،
تتميز بخصائص متنوعة في الإنتاج و التبادل التجاري و علاقات العمل و ما ينتج عنها، فقد أصبح لزاما على كافة الدول الراغبة في تطوير آلياتها السوقية، البحث عن مفهوم جديد لقانون العمل،
يحقق التوازن، و العدالة بين طرفي علاقة العمل، وصولا إلى آفاق رحبة من التعاون، والتفاهم، والتشاور ، تحقيقا للمصلحة المنشودة لكل طرف، ليس على حساب الطرف الآخر، و دون تهميش لدور الدولة، باعتبارها و مؤسساتها الحاكم لهذه العلاقة .
..وقد ظهر جلياً الحاجة إلى قانون عمل جديد عقب الدستور المصري الجديد الصادر في 2014، ليتماشى مع المتغيرات الجديدة والتطورات الهائلة التي تشهدها مصر في بنيتها التحتية وفي الصناعة والتجارة والزراعة، وجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية، وتعزيز دور القطاع الخاص:
*قانون عمل جديد، يعالج الخلل البين في سوق العمل بين العرض والطلب، ويقضي على فجوة المهارات، ويساعد على أن تتوائم مخرجات التعليم والتدريب مع احتياجات سوق العمل،
ويعالج السلبيات التي أفرزها التطبيق الفعلي لقانون العمل الحالي الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 من حيث تعثر التسوية الودية بين طرفي علاقة العمل، وبطء عملية التقاضي،
وعدم جدوى الجزاءات الجنائية، مما أدى إلي وجود العديد من المنازعات العمالية معلقة لم يبت فيها سواء بالتراضي أو أمام القضاء، وعدم التناغم بين قانون العمل والقوانين ذات الصلة مثل قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات وقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وقانون الطفل
وغيرها ، في العديد من المفاهيم الواردة بهم مما أدى إلى شيوع حالة من اللبس، والغموض لدى المخاطبين بأحكام هذا القانون.. وكل ما سبق كان بمثابة جرس الإنذار الحقيقي لسرعة التدخل لصياغة قانون عمل جديد.
*قانون عمل يستكمل البنيان الدستوري والقانوني لعلاقات العمل في مصر، إيماناً بدور وأهمية العمل في ركاب التنمية في مختلف مناحي الحياة، وسعياً إلى مستقبل أفضل ينعم فيه الوطن بمزيد من الرفاهية، ويحقق الرضاء والتوازن المتبادل بين طرفي علاقة العمل،
ويرسى مبدأ العدالة الاجتماعية، ويحفظ لكافة المخاطبين بأحكامه مصريين وأجانب ذكوراً وإناثاً عمالاً وأصحاب عمل، الاعتزاز بكرامة الفرد، يحقق وحدة نسيج الوطن واستقراره.
*قانون عمل يستجيب لرؤية العمال وأصحاب الأعمال، دون الإخلال بمبدأ التوازن بين الطرفين، يستجيب للمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، التي تحيط بالوطن، يتماشى مع ما طرأ على المجتمع من تغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية.
*قانون عمل، يعالج القصور الوارد بالقانون الحالي، ويحترم النصوص الدستورية الواردة بدستور 2014، ويتماشى مع المبادئ الدستورية التي قررتها المحكمة الدستورية العليا، ويستند إلى ما استقر عليه “الفقه والقضاء” في مصر.
*قانون عمل يمتثل لاتفاقيات الأمم المتحدة، واتفاقيات العمل الدولية التي صدقت عليها مصر، ويراعى معايير العمل الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية، ويتناغم مع تجارب الدول المتطورة، ويتماشى مع أفضل الممارسات في عالم العمل.
*قانون عمل يقوم على فلسفة جديدة مفادها بناء علاقات عمل متوازنة بين طرفي العملية الإنتاجية، والحفاظ على حقوق العمال لضمان استمرارية العمل وزيادة الانتاج،
وتحفيز الشباب على العمل بالقطاع الخاص بعد عزوفهم عنه في الفترات الأخيرة، ويعالج فجوة المهارات، ويوائم بين مخرجات التعليم والتدريب واحتياجات سوق العمل، ويعمل على دمجهما، راجين أن يحقق هذا المشروع كل ما نبتغيه من أمال.