مقالات و رأي

متى يكون طلب الزوجة للطلاق محرمًا شرعًا ولا يُعتد به قانونًا؟بقلم المستشار / محمود فؤاد

(رؤية قانونية شرعية متكاملة)

في ظل التغيرات الاجتماعية المتسارعة، أصبح الطلاق والخلع من القضايا اليومية المطروحة أمام محاكم الأسرة. لكن هناك فرق جوهري بين من تطلب الطلاق لأسباب معتبرة، وبين من تطلبه بدون وجه حق.

في هذا المقال، نسلط الضوء على الإطار الشرعي والقانوني لطلب الزوجة للطلاق، ومتى يكون ذلك مُحرَّمًا شرعًا أو مرفوضًا قانونًا أو حتى تعسفًا يُحاسب عليه لاحقًا.

 أولًا: التكييف الشرعي لطلب الطلاق من غير بأس

ورد عن النبي ﷺ قوله:

> “أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس، فحرام عليها رائحة الجنة.”

📚 رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني.

والمقصود بـ “من غير بأس”: أي من غير ضرر شرعي معتبر كالهجر، أو الضرب، أو ترك النفقة، أو العيوب المستديمة.

أما إذا كان السبب مجرد ملل، أو عدم ارتياح نفسي، أو غيرة من زوجة

ثانية مع قيام الزوج بكامل واجباته، فهذا يدخل تحت الوعيد النبوي.

قال الإمام النووي: “فيه وعيد شديد على المرأة التي تطلب الطلاق بلا سبب، وأنه لا يُباح إلا لحاجة.”

والنبي ﷺ نهى أيضًا عن أن تطلب المرأة طلاق “ضرتها”، فقال: “لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها.”

📚 رواه البخاري ومسلم.

⚖️ ثانيًا: التكييف القانوني لطلب الطلاق

ينص قانون الأحوال الشخصية المصري على نوعين من الطلاق:

1. الطلاق للضرر : ويشترط فيه إثبات الضرر أمام المحكمة (كضرب، أو خيانة، أو عدم إنفاق…).

2. الخلع : و يُتيح للزوجة طلب الطلاق دون الحاجة لإثبات الضرر، إذا قررت أنها تبغض الحياة الزوجية ولا تطيق العيش معه.

 وهذا ما نصت عليه المادة 20 من القانون رقم 1 لسنة 2000:

“للزوجة أن تُخالع زوجها إذا بغضت الحياة معه وخشيت ألا تقيم حدود الله، ولا يُقبل إقرارها بهذا إلا أمام المحكمة.”

⚠️ ثالثًا: فقرة خاصة – الخلع بدون سبب… هل هو دائمًا مشروع؟

صحيح أن القانون يُجيز الخلع دون تقديم سبب، لكن هذا لا يعني أن الزوجة مطلقة الحرية تمامًا.

ففي بعض الحالات، قد تتحول دعوى الخلع إلى أداة للإضرار بالزوج، أو للتهرب من واجبات أو أحكام قضائية قائمة (مثل الرؤية، أو دعوى نشوز).

وعندها، يُمكن أن يُواجه الخلع بما يلي:

🟠 مطالبات قانونية فرعية لاحقة:

دعوى تعويض: إذا ثبت أن الزوجة استخدمت الخلع للإضرار العمدي بالزوج (مثل التواطؤ مع شخص آخر أو التخطيط لزواج مباشر بعد الخلع).

الطعن في النية: كأن تكون دعوى الخلع قد رُفعت أثناء وجود حكم لصالح الزوج (مثلاً في الحضانة أو النشوز)، مما يُشكك في نية الزوجة.

التأثير على قضايا لاحقة: مثل الحضانة أو النفقة، حيث قد ترى المحكمة أن الزوجة سيئة النية أو غير مؤتمنة على الأولاد.

 الخلع صحيح قانونًا، لكنه إذا استُخدم بسوء نية، فقد يتولد عنه مسؤولية قانونية غير مباشرة، أو إساءة استعمال للحق يعاقب عليها القانون المدني.

💡 رابعًا: رؤية شرعية واجتماعية

الزواج ليس علاقة تعاقدية فقط، بل هو “ميثاق غليظ” وصفه القرآن بذلك لعظم شأنه.

والأصل في العلاقات الزوجية هو الدوام والاستقرار، وليس هدم البيت لأسباب نفسية مؤقتة أو خلافات عادية.

ولا يُقبل شرعًا أن تطلب الزوجة الطلاق لمجرد أن زوجها تزوج عليها، طالما يعدل ويقوم بحقوقها.

والغيرة وحدها لا تُعد ضررًا يبيح الطلاق.

✍️ خاتمة المقال:

طلب الطلاق لا يُقبل شرعًا إلا إذا وُجد بأس وضرر حقيقي.

القانون يتيح الخلع، لكنه لا يجيز تعسف استخدامه.

على الزوجات أن يعلمن أن استسهال الطلاق له عواقب دنيوية وأخروية.

وعلى القضاة أن يوازنوا بين الحق والنية، وبين النص وروح القانون.

> ⚖️ الحفاظ على الأسرة مسؤولية شرعية وقانونية، لا يجب أن تُترك للمزاج أو العاطفة، بل تقوم على العدل، وتحقيق المصلحة، ودفع الضرر الحقيقي فقط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى