“إسرائيل وإيران… وجهان لعملة واحدة في خيانة الأمة” بقلم . د. الدكتور أحمد سعودي
دكتوراه في علوم القرآن الكريم والقراءات

في عالم مضطرب تتسارع فيه الأحداث وتتبدل فيه المواقف، لم تكن الهجمة الصهيونية الأخيرة على الأراضي الإيرانية حدثًا عابرًا أو حادثةً معزولة، بل جاءت في سياق صراع طويل ومعقّد، تتشابك فيه خيوط السياسة والدين والمصالح، وتنكشف فيه الوجوه الحقيقية للقوى الإقليمية والدولية.
لقد فجّر العدوان الصهيوني هذا الصباح تساؤلات عميقة في وجدان الأمة: من هو العدو؟ وماذا بعد؟ هل بات الصراع مكشوفًا بين أعداء ظاهرين وخفيين؟ وما هو موقف المسلمين الحقيقي في ظل هذا التداخل العجيب بين الكفر والنفاق، وبين من يرفع راية القدس ظاهريًا وهو يطعن الأمة في خاصرتها سرًّا؟
أولًا: إسرائيل في الميزان القرآني والنبوي
منذ أن بعث الله أنبياءه إلى بني إسرائيل، وهم يتقلبون بين النعمة والكفر، بين العهد والنقض، حتى وصفهم الله تعالى بأشنع الصفات، ومن ذلك:
قوله تعالى:
> ﴿أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون﴾ [البقرة: 75].
وقوله جل وعلا:
> ﴿فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية﴾ [المائدة: 13].
ووصفهم بقتل الأنبياء والصالحين:
> ﴿ويقتلون النبيين بغير الحق﴾ [البقرة: 61].
وقال سبحانه في كشف أذيتهم للنبي ﷺ:
> ﴿من الذين هادوا يُحرّفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا﴾ [النساء: 46].
فهم قوم عرفوا الحق وعاندوه، أوتوا الكتاب فحرّفوه، وادعوا التوراة وهم يكتمون الحق. ومن هنا كان موقف الإسلام واضحًا، لا لبس فيه تجاههم.
كما قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح:
> «تقاتلكم اليهود، فتسلطون عليهم، حتى يقول الحجر: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله»
[رواه البخاري ومسلم].
هذه نبوءة صريحة تؤكد حتمية المواجهة، وتُظهر أن نهاية هذا الكيان الظالم حتمية شرعية، لا يتوقف تحققها إلا على تخاذل الأمة أو نهوضها.
ثانيًا: إيران… العدو الخفي
بينما يتجه بصر المسلمين إلى القدس وفلسطين والاحتلال الصهيوني، تسلل إلى الجسد الإسلامي عدوٌ آخر، لا يرفع راية الصليب، بل راية “يا حسين”، لكنه ما انفك يطعن الأمة من الخلف، ويتاجر بالقضية الفلسطينية، ويزرع الفتنة الطائفية، ويهدم تحت لافتة “نصرة المستضعفين”.
لقد أظهرت السنوات الماضية أن إيران، بنظامها الحاكم منذ عام 1979، ليست نصيرًا حقيقيًا لفلسطين ولا للأمة، بل كانت وما زالت سببًا في دمار العراق وسوريا واليمن ولبنان.
قال الله تعالى محذرًا من مثل هذه الطائفة:
> ﴿ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام﴾
[البقرة: 204].
ويقول تعالى في المنافقين – الذين يُظهرون الإيمان ويبطنون العداء:
> ﴿هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون﴾
[المنافقون: 4].
وهذا الوصف ينطبق على من يتظاهر بنصرة الإسلام ويقتل المسلمين، ويزعم الدفاع عن المقدسات وهو يهدم مقدسات السنّة.
وقد قال النبي ﷺ:
> «إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان»
[رواه أحمد].
فإيران تمثل هذا الوجه المخادع، الذي يُتقن الشعارات الإعلامية واللغة العاطفية، لكنه يحمل خنجرًا مسمومًا في خاصرة الأمة.
ثالثًا: التحالفات الخفية والتقاطعات المشبوهة
الواقع السياسي يقول إن بين طهران وتل أبيب عداوة إعلامية، لا تُترجم على أرض الواقع إلى مواجهة حقيقية. بل لطالما حافظ الطرفان على “خطوط حمراء” غير معلنة، وتقاطعت مصالحهما في تمزيق العالم العربي وتقوية الكيانات الطائفية، وإبقاء الأمة مشغولة بصراعات داخلية.
من العجيب أن إيران لم تطلق طلقة واحدة مباشرة على الكيان الصهيوني طوال عقود، رغم امتلاكها لأذرع مسلحة على حدود فلسطين، ورغم تكرار الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا ومواقعها فيها.
قال الله تعالى:
> ﴿ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم﴾
[البقرة: 120].
فمن رضي عنك، أو سكت عنك، أو تقاطع معك في المصالح، فقد اقترب من منهجهم وإن تظاهر بعداوتهم.
رابعًا: واجب الأمة في ظل هذا التحدي
المعادلة الآن لم تعد خافية: أمامنا عدوان، أحدهما ظاهر هو اليهود، والآخر خفي هو الرافضة، وكلاهما يتقاطعان في الطعن في دين الأمة وتمزيق وحدتها.
الواجب الشرعي الآن هو:
1. الوعي والبصيرة: قال الله تعالى:
> ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني﴾
[يوسف: 108].
فلا بد من كشف الحقائق وفضح المنافقين والمغرضين.
2. الوحدة على الكتاب والسنة: فالخلافات الطائفية والمذهبية لا تُعالج بالتنازل عن العقيدة، بل بالرجوع إلى الوحيَين.
قال النبي ﷺ:
> «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي»
[رواه الحاكم].
3. إعداد القوة ومجابهة العدوان: قال الله تعالى:
> ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم﴾
[الأنفال: 60].
4. الرجوع إلى الله ورفع الذل عن الأمة:
قال النبي ﷺ:
> «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»
[رواه أبو داود].
خاتمة: وماذا بعد؟
نحن في مرحلة مفصلية من تاريخ الأمة، تتكشّف فيها الوجوه، وتتساقط فيها الأقنعة، وتُغربل فيها الصفوف. وما هجمة إسرائيل على إيران إلا صورة من صور التدافع الإلهي، ليُميز الله الخبيث من الطيب.
لكننا يجب ألا نُخدع، فعدوّنا لا يزال هو ذاته: كل من يحارب دين الله، سواء باسم الاحتلال أو باسم التشيّع أو باسم السلام الزائف.
> ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾
[الرعد: 11].
فإن كنا نريد نصرًا، فعلينا أن نبدأ بإصلاح الداخل، وتوحيد الصف، والتمسك بدين الله، ورفض كل أشكال الخيانة والتطبيع والضلال.
اللهم احفظ أمتك، ووحد صفوفها، واهزم أعداءها الظاهرين والخفيين، واجعل لنا من كل همٍ فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا.